التحالف القذر بين المنافقين والكفار: التلصص والتجسس

في حلقاتنا السابقة سبق أن ذكرنا الإعجاب الذي يكنه الأشخاص الذين يحملون صفات المنافقين تجاه الكفار ومجهوداتهم للفوز بمكان بينهم. أحد أقذر الأساليب التي يستخدمها المنافقون لكسب مكانة في عالم هؤلاء الأشخاص الذين يمجدونهم هو: "أفعال التجسس والتلصص التي يقومون بها ضد المسلمين".

 

على مر التاريخ قام هؤلاء المنافقون الذين مارسوا أفعالهم بخسة في المجتمعات الإسلامية بالمساهمة في الألاعيب التي حيكت في الدول الإسلامية، وفي تدمير بعض تلك الدول وإضعافها، أو الانزلاق بها إلى الفتنة. هؤلاء الأشخاص ذوو الوجهين الذين يقدمون أنفسهم كما لو كانوا في صفوف المسلمين يقدمون كافة أشكال الدعم للكافرين رغبةً في ممارسة نشاطاتهم المعادية للمؤمنين.

 

وكما جاء في القرآن الكريم بهذه الكلمات "مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ" (المؤمنين والكافرين) سورة النساء - 143، فإن المنافقين في الواقع لا يأخذون أبدًا جانب المسلمين أو جانب الكفار، وعلى الرغم من أنهم يعيشون بين المسلمين فإنهم يكنون إعجابًا عميقًا تجاه الكفار ويتشبهون بهم، لذا فإنهم يحاولون الاقتراب من الكفار وتحسين العلاقات معهم في كل فرصة تسنح لهم.

 

ونتيجة لذلك فإنه يصبح من السهل على غير المؤمنين الذين يعون جيدًا هذا التوجه لدى المنافقين أن يقربوا منهم هؤلاء الأشخاص الذين تتذبذب قلوبهم بين الإيمان والكفر وأن يستغلوهم كما يحلو لهم. والمنافقون الذين يُعجبون بالكفار على استعداد للقيام بكل ما يلزم لإقامة أدنى تقارب مع الأشخاص الذين يتمتعون بمكانة وأهمية في المجتمع وفقًا لمعاييرهم المضللة. ومما يحفز ويثير حماس أولئك الذين يحملون صفات المنافقين، مجرد تمكنهم من حضور اجتماع صغير مع صحفي ذي شهرة عالمية، أو منتج في قناة تلفزيونية شهيرة، أو محلل سياسي بارز، أو مسؤول تنفيذي في أحد المؤسسات البحثية البارزة، أو عضو مؤسس في إحدى المؤسسات الهامة، أو حتى مجرد تمكنهم من سماع أسمائهم. يحاولون تقديم أنفسهم كأشخاص مهمين وخبراء موهوبين لهم كلمة مسموعة في مجالاتهم للفوز ولو بكلمات قليلة معهم لجذب انتباههم وكسب تقديرهم. يأمل هؤلاء المنافقون في الاستفادة من الأدوات والوسائل التي يملكها هؤلاء الأشخاص مثل النفوذ والمكانة والوجاهة التي من الممكن على أقل احتمال أن يحظوا بها في المستقبل ولو ليوم واحد. يأملون أنه ربما في يوم من الأيام يكتبون عمودًا في صحيفة أو مجلة شهيرة أو يظهرون لقول بضع كلمات في قناة تليفزيونية دولية شهيرة. في العالم التافه الخاص بالمنافق يستحق الأمر بذل كل شيء للفوز بفرصة كهذه.

 

يقوم الكافرون الذين يدركون جيدًا هذا الضعف الذي عليه هؤلاء الأشخاص الذين يكنون إعجابًا شديدًا بالأجانب وتطلعًا نحو التسلق الاجتماعي وطمعًا في الشهرة، باستغلال ضعفهم إلى أقصى حد والتقرب إليهم بعروض مغرية. وبالمنافع القليلة التي يقدمونها لهم يوجدون أساسًا مقنعًا وفي النهاية يتحول هؤلاء الأشخاص الذين يحملون صفات المنافقين إلى أشخاص يخدمونهم على أفضل وجه ويبذلون لهم كل ما يتمنون. بعد فترة قصيرة يصل هؤلاء المنافقون إلى درجة تمكنهم من خيانة المسلمين وخيانة أقرب أصدقائهم وعائلاتهم وحتى شعوبهم وحكوماتهم بأكثر الوسائل غدرًا، وتجعلهم قادرين كذلك على التحدث والكتابة بأشد الأساليب عدوانية حتى ضد شعوبهم ودولهم ومصالحهم الوطنية.

ينبغي على المرء أن يكون على وعي تام بحقيقة واضحة وهي أن هذه الحتمية في التعامل بين المنافقين والكفار وتطلعات كل منهما متطابقة تمامًا. كلا الفريقين يمتلك ما يريده الطرف الآخر بشدة: وفي اللحظة التي يدركون فيها هذا، فإنهم يخطون أولى خطواتهم في تحالف الخيانة القذر.

 

كل التنظيمات العميقة والشريرة في جميع أنحاء العالم تستغل المنافقين للتجسس

 

تقوم الكيانات العميقة والشريرة التي تدرك جيدًا هذا الافتتان الجاهل الذي يكنه المنافقون للبهرجة ومكانتهم وسمعتهم وجشعهم الجنوني للحصول على مكانة في المجتمع، بالمبادرة ولو ظاهريًا لتحقيق هذه الرغبات، وفي هذه المرحلة فإنهم إما يقدمون أنفسهم كما لو كانوا أشخاصًا ذوي سلطة ولهم اتصالاتهم يقدمون الخدمات في المنعطفات الهامة والرئيسية، أو أنهم يستخدمون الأشخاص الذين يشغلون بالفعل مثل هذه المواقع كقطع الشطرنج بما يتفق مع أهدافهم. في المرحلة التالية يحاولون جذب انتباه هؤلاء الأشخاص الذين يحملون صفات المنافقين تارةً عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وتارةً من خلال أحد الوسطاء، وأحيانًا عن طريق تكوين صداقات معهم بشكل مباشر. عند هذه النقطة تسنح لكلا الفريقين الفرصة التي تناسب كلًا منهما بشكل جيد للغاية. يستجيب المنافقون بحماس للاقتراب من هؤلاء الأشخاص الذين يعتقدون أنهم يساعدونهم على ارتقاء الدرجات التي يحلمون بها. بعد فترة قصيرة يصبحون أصدقاء مقربين من المنافقين الذين ينسجمون معهم جدًا ويتحدثون معهم كثيرًا ويتعاونون معهم في كل أمر. وفي كل محادثة من هذه الأحاديث الحميمة يحاولون طمأنة هؤلاء الأشخاص الذين يحملون صفات المنافقين والذين يريدون استغلالهم كجواسيس مثلهم. يقنعونهم أنهم يحبونهم ويقدرونهم كثيرًا، وأنهم سوف يكونون بجانبهم طوال حياتهم، وأنهم سوف يساعدونهم بأقصى ما يستطيعون في كل ما قد يحتاجون إليه، وأنهم لن يتركوهم أبدًا، وأنهم سوف يقدمون لهم الدعم المادي والمعنوي في كل أمر. ولجعلهم يؤمنون بمثل هذه الصداقة فإنهم يقدمون لهم من وقت لآخر امتيازات غير عادية وبالتالي يهدفون إلى إثبات كيف يحمونهم ويعتنون بهم بشكل جيد. ولجعلهم يشعرون بالتميز يقولون أشياء من هذا القبيل: "أنت مختلف تمامًا عن الآخرين؛ أنت أكثرهم موهبة؛ لديك تأثير فريد على الناس؛ طريقة كلامك وتعبيراتك وكتاباتك لها تأثير أخاذ". يقولون إنهم وحدهم يمكنهم إدراك ما يسمونه مهاراتهم الخارقة، وأن الآخرين لا يمكنهم رؤية وتقدير نبوغهم، وبذلك فإنهم يحاولون فتنة أولئك الذين يحملون صفات المنافقين حيث يُظهرون لهم أنهم هم وحدهم الذين يمكنهم تقدير مهاراتهم وما يستحقون.

 

ولأن الأشخاص الذين يحملون صفات المنافقين يقيمون الأمور بشكل مختل، فإنهم يصبحون راضين جدًا بهذه المنافع التي تقدم لهم، يصبحون أكثر قربًا حتى من دول الظل العميقة هذه، لسان حالهم: "هؤلاء الناس يحبونني جدًا، كم هم ودودون نحوي".

 

هؤلاء الأشخاص الذين يقدم أحدهم نفسه أحيانًا ككاتب مهم، وأحيانًا كطبيب مشهور، وأحيانًا كمستشار سياسي، أو ضابط بارز في مؤسسة مهمة، بينما هم في واقع الأمر جواسيس مفضوحون لبعض دول الظل العميقة. وبمساعدة هؤلاء الأشخاص الذين يحملون صفات المنافقين يعزمون على بلوغ أهدافهم، يخططون للوصول إلى كافة أنواع الوثائق والمعلومات التي يعتقدون أنها تخدم أغراضهم. أحيانًا قد تكون هذه المعلومات معلومات شخصية عادية، أو قد تكون حتى أحد أسرار الدولة مما قد يسيء إلى سمعتها، وقد يتسبب كذلك في انهيار الدولة لإضعافها أو الإلقاء بها في حالة من الفوضى، أو الانزلاق بها إلى صراع مع دولة أخرى. يتظاهرون بأنهم أصدقاء مقربون ومحبون يقدمون لهم الحماية والرعاية وعلى استعداد لبذل كل التضحيات من أجل هؤلاء الأشخاص الذين يحملون صفات المنافقين، والذين وقع عليهم الاختيار ليتم استغلالهم من أجل الوصول إلى أهدافهم. على سبيل المثال إذا كان الشخص الذي يتحدثون إليه طبيبًا فإنهم يوفرون لهذا الشخص العديد من الفرص، قائلين له: "نحن نحبك كثيرًا. أنت شخص قدير وموهوب جدًا وطموح في مهنتك، تعال إلينا، دعنا نجعلك على رأس الأطباء"، وبعد ذلك فإنهم ينطلقون بحثًا عن الحصول على معلومات عن الأشخاص الأكثر أهمية وأصحاب المراكز الرئيسية عن طريق هؤلاء الأشخاص الذين يتخلقون بأخلاق المنافقين.

 

على مدار اليوم يحاولون البقاء على اتصال معهم بأقصى ما يستطيعون ويحاولون جمع كافة المعلومات عن طريق إرسال الرسائل ودعوتهم في حال ابتعادهم، وعن طريق محاولة البقاء إلى جوارهم باستمرار في حالة اقترابهم. يجلسون على أقدامهم عند تناول الطعام ويقومون بالدراسة للحصول على أية معلومة على أمل أنها ستُخرج لهم شيئًا مهمًا أو توحي لهم بفكرة، يعتقدون أن تدفق المعلومات من الممكن أن يحدث في أي وقت. لذلك تجدهم يحومون حول هؤلاء الأشخاص يتساءلون: "متى عساهم يستطيعون الحصول على معلومات؟". وبهذه الطريقة فإنهم يقومون على الفور بإرسال كافة المعلومات التي قاموا بتجميعها إلى المراكز السرية التي ينتمون إليها حتى يتم الاستفادة منها للقيام بأنشطة معادية للأشخاص والمجتمعات والدول المؤمنة.

 

على مدار التاريخ تم وضع الجواسيس المنافقين الذين يقدمون المعلومات لدول الظل العميقة الفاسدة جنبًا إلى جنب مع جميع الشخصيات المهمة

في الحكايات التاريخية هناك العديد من الأمثلة على أنشطة التجسس التي تقوم بها أجهزة المخابرات باستخدام المنافقين. على سبيل المثال، في زمن الإمبراطورية العثمانية كان المنافقون الخائنون ذوو الوجهين ينتظرون على أمل الحصول على أية معلومة ولو صغيرة من السلطان عبد الحميد، وقد نجحوا بهذه الطريقة في الحصول على الكثير من المعلومات. كانوا يتقلدون مناصب رئيسية في القصر، بعضهم كان من أطباء البلاط، والبعض مستشارين، وبعضهم أصدقاء مقربين من السلطان. لم يتركوا السلطان وحده أبدًا، وربما لهذا السبب ظن السلطان أنهم أشخاص جديرون بالثقة ويدينون له بالولاء، إلا أن السبب الوحيد في عدم تركهم له وحده كان هو الحصول على المعلومات، قاموا بتسريب كل ما قاموا بجمعه من معلومات إلى الدولة البريطانية العميقة في ذلك الوقت والتي كانت تهدف إلى هدم الإمبراطورية العثمانية. وكما هو معروف، فقد قاموا بعد فترة من الزمن بتشويه سمعة السلطان عبد الحميد وإهانته وإزاحته عن طريقهم.

تم رصد هذه المحاولات التي قام بها المنافقون في عهد العديد من السلاطين في زمن الإمبراطورية العثمانية. وبهذه الأساليب الماكرة تقربوا من محمد الفاتح، وسليمان القانوني، وجميع أبناء السلاطين، وكبار المسؤولين في القصر.

 

كان المنافقون المتنكرون في هيئة المسلمين هم الذين يمدون القبائل التي كانت تعادي النبي (صلى الله عليه وسلم) بالمعلومات

 

كذلك كان المنافقون خلال السنوات الأولى في الإسلام يأتون بالقرب من النبي (صلى الله عليه وسلم). كانوا يجلسون حوله، يُصغون إليه باهتمام ويودون الذهاب معه أينما ذهب، كانوا يُظهرون ودهم للنبي (صلى الله عليه وسلم) كدليل على ثباتهم. ومع ذلك فقد كان مفهومًا بشكل واضح من مظهرهم البغيض والقذر، ومن لهجتهم الحادة والوقحة والمخادعة والمتعالية أنهم منافقون لا يكنون في واقع الأمر أي ود. كما يخبرنا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في هذه الآية: "لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ" سورة القلم 51. فالمنافقون يُضمرون نحوه (صلى الله عليه وسلم) غلًا خالصًا بلا أخلاق، وعلى الرغم من كل هذا كانوا ينطلقون في أي اتجاه ليكونوا في حضرة النبي (صلى الله عليه وسلم) فقط لكي يحصلوا على معلومات تحت ستار "الحب المزعوم". بالتالي كانوا يقدمون كافة أنواع المعلومات التي يحصلون عليها لمشركي مكة وللقبائل التي تعمل ضد النبي (صلى الله عليه وسلم)، محاولين تحقيق مكاسب شخصية حينها في مقابل ذلك. وكانت هناك العديد من القبائل المعادية للنبي (صلى الله عليه وسلم)، كما أنه كان هناك جمهور غفير من الناس يكنون له حبًا عظيمًا. ولذلك فقد كان الاقتراب من النبي (صلى الله عليه وسلم) والحصول على معلومات أمرًا جوهريًا بالنسبة لهذه الدوائر المعارضة.

 

مع رسوخ هذا في أذهانهم كان المنافقون يلازمون النبي (صلى الله عليه وسلم) طوال اليوم، وعندما كانوا يريدون الانصراف عنه كانوا يفعلون هذا بمكر وهم يحاولون جاهدين ألا يلاحظهم أحد كما يصور لهم غباؤهم. كانوا يدخلون وينصرفون عن مجالس النبي (صلى الله عليه وسلم) والحوارات التي يعقدها وهم يحاولون بدهاء ألا يلاحظهم أحد. خلال المناقشات كانوا يتوارون خلف الجموع يحاولون حماية أنفسهم من الآخرين. يفضلون بشدة الجلوس خلفه وفي أماكن بعيدة عن مرمى بصره ظنًا منهم أنه قد لا يلاحظهم. لذلك إذا لم يكن هناك بعض الانتباه الخاص فإن وجودهم ودخولهم وخروجهم لم يكن ليُلاحَظ أبدًا، ونظرًا لأنه كانت هناك جموعٌ تتزاحم لتشهد هذه النقاشات، فقد كان من الصعب على النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه تتبع كلّ من هؤلاء المنافقين على حدة.

 

كانوا يتسللون إلى إحدى الزوايا مثل الثعبان ويستمعون إلى المناقشات، وبعد الحصول على المعلومات التي ينتظرون الحصول عليها كانوا يتسللون مرة بعد أخرى كالثعبان يحاولون الانصراف دون أن يلحظهم أحد كما تصور لهم عقولهم الحمقاء. كانوا ينتظرون أن يسمعوا خلسةً أمورًا خاصة وسرية يعتقدون أنه ربما لا يتم التحدث عنها في وجودهم. يخبرنا الله سبحانه وتعالى عن انعدام أخلاق المنافقين في القرآن الكريم بقوله: "يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا".

"لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ". سورة النور – 63.

فكما جاء في الآية فإن ما ينتظر هؤلاء الذين يُظهرون صفات المنافقين سوف يكون عذابًا أليمًا حال عدم تخليهم عن أخلاقهم وسلوكياتهم الفاسدة.