مرة أخرى سترون قريبًا كيف لمخلوق صغير كالبعوضة أن يكون إثباتًا قويًا على الخلق.
خلافًا للرأي السائد، فالبعوض لا يتغذى على الدماء. فذكور البعوض لا تمتص الدماء أبدًا طوال حياتها. والإناث فقط هي من تقوم بذلك الفعل، ويكون هذا فقط من أجل تأمين احتياجات بيضها من البروتين أثناء عملية الوضع.
لدى البعوضة قرني استشعار على طرفي رأسها، وتُعتبر الخلايا الحسية الموجودة بهذين القرنين مستقبلات قوية بشكل لا يصدق. ويوجد لدى أنثى البعوض أيضًا أنبوب يقع بين قرنيها ويدعى بالخرطوم. وهي ليست أنبوبة اعتيادية بسيطة، بل تعتبر غطاءً في مقدمة آلية قطع وشفط على درجة عالية من التخصص. وعندما تعض البعوضة، ينفتح الغطاء ويبدأ عمل آلية القطع. وتتكون آلية القطع هذه من ستة أجزاء، أربعة منها عبارة عن شفرات حادة للغاية. بينما يلتئم الجزآن الباقيان سويًا ليكونا معًا أنبوبًا مجوفًا.
تُدخل البعوضة هذه الأنبوبة للأنسجة التي قطعتها، وتمتص الدماء. أحد أهم خصائص خرطوم البعوضة أنه من الممكن أن ينحني عند عمق معين. وبهذه الخاصية الرائعة يمكن للخرطوم الانحناء تحت الجلد. ويمكن حينها الوصول للمنطقة الغنية بالأوعية الدموية.
لكن، لماذا لا نشعر بأي شيء مما تفعله البعوضة في أجسامنا؟ لأن البعوضة وبطريقة إعجازية تستطيع أن تمنع أجسادنا من الشعور بهذا عن طريق استخدام مخدر موضعي. نعم، هذا صحيح. البعوضة تستخدم مخدرًا موضعيا، لكن كيف هذا؟
في اللحظة التي تلدغ فيها البعوضة، يبدأ النظام الدفاعي في جسم الإنسان في العمل ويبدأ في حقن إنزيمات لوقف تدفق الدم في تلك المنطقة. وتتسبب تلك الإنزيمات في تجلط الدماء. وإذا بدأت الدماء في التجلط، فسيكون من المستحيل على البعوضة امتصاصها. لكن البعوضة لديها إجراءات مضادة مناسبة لذلك.
وبالرغم من كون البعوضة ضئيلة للغاية، فهي تتصرف كأنها تعلم تمامًا طريقة عمل الأنظمة في جسد الإنسان وتبدأ في حقن سائل من إحدى الشفرات في مكان الجرح. ويعمل هذا السائل على تخدير الأنسجة ويمنع تجلط الدماء.
وهذا السائل هو ما يسبب الحكة والورم في منطقة اللدغة بعد ذلك. وكل هذه العملية تتم في فترة زمنية قليلة للغاية أقل حتى من الوقت اللازم لوصف العملية والذي يستغرق بضع ثوانٍ، وتظل الضحية هادئة وغير واعية بأن البعوضة قد لدغتها.
الآن، هناك نقطة مهمة يجب أن نأخذها في الاعتبار!
كيف تعلم البعوضة باحتواء الدم على خاصية تعمل على تجلطه؟
التخدير الموضعي قبل العمليات الجراحية تقنية طورها البشر بمساعدة العلوم الطبية، وهو أمر حديث نسبيًا. إذًا فكيف استطاعت البعوضة منذ مولدها امتلاك تلك المعرفة؟ وكيف أمكنها حيازة تلك السوائل، والتي يصعُب تصنيعها حتى في ظل الظروف المختبرية الحديثة.
كيف يمكن أن تكون هناك آلية فائقة بداخل أنبوب يصل قطره لأقل من مليمتر، لدى حيوان لا يتعدى حجمه السنتيمتر؟ مع الأخذ في الاعتبار أن كل تلك الأنظمة والمعلومات كانت موجودة في كل البعوض الذي تواجد على مدار الحياة.
الإجابة في غاية الوضوح. فقد خلق الله البعوض وبنيته الداخلية وخلق الجسم البشري حتى أدق التفاصيل. وهو الذي يضع القواعد المنظمة لها. ومن يفكر ويتدبر فسيجد أن كل الكائنات الحية مليئة بالأدلة الواضحة على وجود الله. وقد أوضح الله هذا الأمر في القرآن الكريم إذ قال:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوب