إيرديم: أعزائي مشاهدي قناة A9 الكرام، في هذا البلد الرائع، وفي كل العالم الاسلامي، أهلا بكم ومرحبا، أسعد الله أوقاتكم. في هذا البرنامج نلتقيكم ونحاول أن نقدم لكم كل ما هو مفيد. ومن أجل لذلك نقدم لكم دائما ضيوفا متميزين. لنناقش مواضيع مختلفة ، مفيدة وممتعة. موضوعنا اليوم هو مفهوم "الحياة من أجل الله". سنناقش اليوم هذا المفهوم مع ضيفنا العزيز كارتال جوكتان. أهلًا بك.
كارتال: شكرًا لك إيرديم.
إيرديم: مفهوم الحياة من أجل الله ربما لا يكون معروفًا بالنسبة للكثير من الناس أو أحيانًا يكون مفهومًا بشكل غير سليم. في واقع الأمر، يقول الله – تعالى – في القرآن بسم الله الرحمن الرحيم "وَمَا خَلَقْت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"صدق الله العظيم. يخبرنا الله – تعالى – في هذه الآية أننا خُلِقنا جميعًا لنعبده و بالتبعية، يجب أن يولي الناس أهمية عظمى لمفهوم الحياة من أجل الله وأن يدركوا هذا المفهوم بشكل كامل، وأن يجعلوا لهذا الأمر الأولوية في يومهم، مع الوضع في الاعتبار أن تكون كل تصرفاتهم طاعةً لله وسعيًا وراء رضائه.
كارتال: نعم.
إيرديم: إن شاء الله.
كارتال: عندما نتحدث عن الحياة من أجل الله، بالتأكيد يتوجب علينا أولًا أن نعرف ما يجب علينا أن نؤديه لله.
إيرديم: نعم.
كارتال: يجب على المرء أن تكون حياته خالصةً لله. وبالحديث عن معرفة الله نجد أنّ أولئك الذين يعرفون الله حقًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى يلجؤون إليه دائمًا لأنهم يعرفونه و يخافونه حقًا. لكن يوجد بعض الناس أيضا – بالرغم من إيمانهم بوجود الله – نجد أنّ لديهم الكثير من القصور في أداء واجباتهم الدينية، وفي التقرب من الله وفي فعل الخير ابتغاء مرضاة الله. يخبرنا الله – سبحانه وتعالى – بهذه الحقيقة في القرآن الكريم وبالتحديد في سورة يونس "قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ" صدق الله العظيم. هذا يعني أنّ هناك بعض الناس في هذا العالم يؤمنون بوجود الله ولكنهم لا يسيِّرون حياتهم وفق هذا الإيمان ولا يخافون من الله.
إيرديم: نعم.
كارتال: عندما يكون الأمر هكذا، فبالتأكيد ستكون حياة هذا الإنسان مبنية على أساس ضعيف. يخبرنا الله – سبحانه وتعالى – بذلك في الآية 109 من سورة التوبة حيث يقول سبحانه "أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " صدق الله العظيم.
إيرديم: نعم.
كارتال: الآن، ما يمكن أن نفهمه من هذه الآيات أنه يجب علينا أولًا أن نعرف الله جيدًا، وأن ندرك حقيقة أنّ الله قد خلق كل شيء، وبذلك ندرك عظمة الله ومدى قدرته، وعندما نضمن هذا الإدراك، يعيش الإنسان حياته وفق أوامر الله.
إيرديم: نعم.
كارتال: كما ذكرتَ أيضا، لقد خَلَقَنا الله لنعبده، ما أقصده هنا أن ندرك هذه الغاية ونعيش حياتنا لله.
إيرديم: نعم.
كارتال: يمكننا القول بأن هذه الفكرة سيدركها الشخص الذي يفهم هذه الكلمة بكل ما تحمله من معنى.
إيرديم: نعم، إن شاء الله. في الحقيقة هذا ما يجب على الإنسان فعله من أجل الخلاص في الدنيا والآخرة. يمكننا القول بأن الإنسان يجب أن يعيش لطلب رضا الله، يعِدُنا الله إذا فعلنا ذلك بالنجاة في الدنيا والآخرة، ويخبرنا أنّ هذا هو طريق الخلاص، في الآية 16 من سورة المائدة يقول الله تعالى " يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" صدق الله العظيم.
انظر إلى معنى هذه الآية، يخبرنا سبحانه وتعالى في هذه الآية بأن الذين لا يتبعون رضوان الله سيظلون في الظلمات. في واقع الأمر، إذا نظرنا إلى حياة هؤلاء الناس نرى أنهم قد قدموا رغباتهم الشخصية فوق كل شيء، تلك الرغبات الدنيوية. يضعون هذه الرغبات في المرتبة الأولى والثانية والثالثة ضمن أولوياتهم، ولن يعيش هؤلاء الناس في سعادة أبدًا حتى ولو حققوا ما يهدفون إليه، ولن يصلوا أبدا إلى الرضا. وهذا ما نريد أن نصل له في هذا الحوار. أليس كذلك؟ هؤلاء الناس يعطون النصائح لبعضهم البعض ويتحدثون عن كيفية الوصول للسعادة، وفي هذه المحادثات ينصحون بعضهم البعض بإعطاء الأولوية للرغبات الدنيوية.
إيرديم: يقول الله تعالى في القرآن "وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ" صدق الله العظيم.
إيرديم: في الحقيقة، عندما يصل الكافر إلى ما يريده، فلن يستطيع أن يكون سعيدًا أبدًا. سيجد أنّ كل ما بذله من جهد يعود عليه بالحُزن في محاولة لحث ضميره من جديد.
كارتال: نعم، عندما نقوم بمجهود ما، نقوم به بأمر الله.
إيرديم: نعم بالتأكيد.
كارتال: كحقيقة ثابتة، فإننا لا يمكننا الحصول على أي شيء بأنفسنا فقط، ولكن عندما يكون لدى الإنسان الإيمان الجيد، يرى أنّ الله يسخره لفعل الخير. هذا لأن لديهِ الاستعداد لذلك، عندما يأخذ الناس هذا الأمر هدفًا لهم في حياتهم في هذا العالم...
كارتال: ... ربما يحقق الناس النجاح إذا قاموا بمجهود جيد. على سبيل المثال، عندما نخضع لامتحان، و يكون لنا خطط مستقبلية، أحيانا يخطط الناس ويعملوا لتنفيذ خططهم لعشر سنوات أو لعشرين سنة، ويتابعون نجاح ما يخططون إليه لتحقيق هدفهم والوصول لنتيجة. الله يعدنا الله سبحانه وتعالى بالجنة، والحصول على الجنة مرتبط باختبار ما وهو الحصول على رضا الله الذي يعد في حد ذاته اختبارٌ لنا. عندما يكون هذا هو الحال، فيجب على الإنسان بالطبع أن يحصل على أعلى نتيجة في هذا الاختبار وألا يخسر أيَ جزءٍ منه.
إيرديم: بالتأكيد.
كارتال: قد يكون هذا خطأً منطقيًا، أو وجهة نظر خاطئة، ربما نطلب دائما رضا الله، نرغب دائمًا أن نكون من عباد الله الصالحين الذين يحبهم ويسعد بهم. إذا أردنا ذلك فعلينا أن ندرك أهمية أن تكون حياتنا خالصةً لله وفي طاعته، ومعرفة ما يأمرنا به وما ينهانا عنه كما أخبرنا في القرآن.
إيرديم: نعم.
كارتال: أقصد، هل هذا الأمر صحيح الآن كمثال؟ نفهم بالتأكيد أنّ التفكُّر هو جزء أساسيّ من حياة المسلم، وذلك لأننا نعيش في عصر مليء بالأيديولوجيات التي يحاول غرسها الملحدون في المجتمع، أفضل أشكال التفكر والعقلانية هي مواجهة هذه الأفكار.
إيرديم: نعم.
كارتال: يبشرنا الله بالجنة ويحذرنا من النار.
إيرديم: نعم.
كارتال: بناءً على ذلك، ولنحمي أنفسنا من العذاب ولنستحق دخول الجنة، يجب على المسلم دائمًا أن يعيش بالطريقة التي تُرضي الله.
إيرديم: نعم، إن شاء الله. هناك أمر شائع جدا، في الحقيقة يرى الكثير من الناس أنفسهم أنقياء ويستحقون الجنة، أعتقد أنّ هذا التفكير سطحيّ بصراحة. ربما يقول أحدهم "أنا لا أسرق" يفكر في المعاصي الكبيرة جدًا و يقول "أنا لا أفعل تلك الأشياء بأيِّ حالٍ من الأحوال وبالتالي فأنا عبدٌ صالح وأستحق الجنة وأنا قريبُ منها" أليس كذلك؟ يفكر الكثير من الناس بهذه الطريقة ويقولون " أنا لا أحتاج لفعل شيء آخر". التفكير بهذه الطريقة خطير جدا.
كارتال: نعم.
إيرديم: هذا لأن هناك الكثير من الأمثلة لهذه الطريقة في التفكير قد ذكرها الله – تعالى – في القرآن في الكثير من الآيات. على سبيل المثال، قصة صاحب الجنَّتيْن، أليس كذلك؟ يخبرنا الله – تعالى – عن رجلٍ يملك حديقة كبيرة مزهرة فقال الرجل "قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَة وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا" صدق الله العظيم.
يظن هذا الرجل أنه شخص صالح وأن هذا الأمر كافٍ للنجاةِ في الآخرة، طريقة التفكير هذه خاطئةٌ تمامًا لأنها تمنع الإنسان من السعي وراء ما يرضي الله.
على سبيل المثال، دعنا نفترض أنّ لديك ستة اختيارات مختلفة الآن. من بين هذه الاختيارات الستة، سأحاول معرفة أيّ اعتقاد أو سلوك الذي عليك أن تبنيه لأنه هو الذي يرضي الله، حيث سيكون راضيًا بهذا الاختيار أكثر من البقية. إذا لم يراعِ الإنسان هذا الأمر سيرتكب بذلك خطأً قاتلًا. في الحقيقة حتى بدون التنازل عن أيّ شيء، يجب علينا أن نوَليَ الأهمية و نعطي الأولوية لإرضاء الله وذلك لأن الله ذكر لنا أمثلة لهذا الأمر أيضًا. حتى إذا ترك الإنسان جزءًا من هذا الأمر فلن يتصرف بالشكل الصحيح في الأمور التي يفعلها. كمثال جيد، فإن التصرف الصحيح هو الذي تفعله 100% للحصول على رضا الله. ليس فعلًا واحدًا فقط ولكن يجب أن تكون معظم تصرفات الإنسان في حياته على هذا الشكل. هذا لأن الله – تعالى – يقول "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ". يخبرنا الله أنّ كل شيء فعلناه سيوضع أمامنا يوم القيامة حتى الأشياء شديدة الصغر ستوزن لنا أو علينا. ولهذا يجب على كل إنسان أن يسعى للحصول على رضا الله.
كارتال: نعم، في آية أخرى يقول الله تعالى – أعوذ بالله من الشيطان الرجيم "مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا" صدق الله العظيم.
إيرديم: نعم.
كارتال: و في الآية التالية يقول الله تعالى "وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا" صدق الله العظيم.
إيرديم: ما شاء الله.
كارتال: الآن، هناك أمر مهم جدًا، يجب علينا أن نفهم جيدًا أنّ هذه الحياة هي مرحلة انتقالية تقودنا فقط إلى الآخرة. ربما يشكل هذا العالم مرحلة عابرة للناس، ربما يعطيك الله واحدة من نِعَمه في هذه الحياة وربما يعطيك المزيد ولكنّ هذا لا يعني أنّ هذا يكفي، إذا لم تفعل ما بوسعك استعدادًا لآخرتك، فإن كل ما جنيته سوف يصير هباءً.
كارتال: الوضع الحاليّ لهذا العالم واضحٌ للجميع. في هذا الوقت، نعيش في زمن يعاني فيه المسلمون في هذه المنطقة وفي الكثير من المناطق الأخرى في هذا العالم. وفي هذا الوقت أيضًا كنتيجة لذلك هناك الكثير من المسؤوليات على عاتق المسلمين. بالرغم من أنّ كلا منهم لديه هذه المسؤوليات وأن الجميع يعي الموقف من حولنا، هناك البعض ممن يهتمون برغباتهم الشخصية فقط، ولا يبالون إلا لراحتهم وبالتأكيد سينالون جزاءهم من الله. عندما يدرك الإنسان ويعي هذا الموقف حين يكون هناك الكثير من الأشياء التي يمكن فعلها، فإن جزاء ما يحدثه من تغيير ولو كان بسيطًا بما يستطيع سيكون عظيمًا جدًا. ذلك لأنّ الله يريدنا أن نبتغي رضاه. في هذا الصدد، هناك نقطة يجب علينا فهمها جيدًا، من الخطأ اعتقاد أنّ اختيار الأمر الأسهل يرضي الله، الحقيقة أنّ هناك اختيار واحد فقط في هذه الحالات وهو الذي يختاره الإنسان صاحب الضمير الحي.
إيرديم: نعم.
كارتال: هناك اختيار واحد يجب أن يقع والضمير الحي سيجد هذا الخيار. قربك من الله، سيقودك دائمًا لانتقاء هذا الخيار الصحيح. ما ينبغي القيام به هنا هو الاستجابة لضميرك.
إيرديم: نعم.
كارتال: يكون الإنسان في الطريق الصحيح عندما يتبع ضميره. يقول الله تعالى "يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" صدق الله العظيم.
إيرديم: نعم.
كارتال: إن شاء الله.
إيرديم: إن شاء الله. هذا الأمر يشمل الحياة بأكملها، يقول الله تعالى في الآية 162 من سورة الأنعام "قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" صدق الله العظيم.