أمره أجار:مرحبًا بكم أعزّائي المُشاهدين الكرام, سوف نتناول في حلقة هذا الأسبوع من برنامج "الإسلام دين الجمال" أحد مجالات ديننا الحنيف وهو موضوع الجَوْدة والنّظافة.
دملا بامير: في البداية أريد أن أوضّح أن الجودة لا تعني فقط الالتزام بشروط معيّنة قائمة على الإتقان والفخامة, وإنّما تتمثل الجودة كذلك في تقدير كلّ ما خلقه الله على الوجه الأكمل، والعيش وفق الأخلاق القرآنية الحقيقيّة. أما عكسُ ذلك فيعني الرّداءة والعيش بطريقة خاطئة. والجودة مفهوم واسعٌ جدّا يبدأ من طريقة الشّخص في التفكير إلى رغباته في الحياة، ومن طبيعة أهدافه إلى مفهوم الجمال والفنّ والانفتاح على الآخرين، و تشمل كذلك حتّى طبيعة المواضيع التي يتحدث فيها مع أصدقائه .
أمره أجار: اليوم يُمكن مشاهدة هذه الرّداءة البعيدة كل البعد عن الأخلاق القرآنية في كثير من البلدان الإسلامية, والسّبب في ذلك هو اِعتقاد النّاس في جملة من الخُرافات لا مكان لها في الإسلام إطلاقًا, وبعض إخواننا المسلمين وقعوا في هذا الخطأ واعتقدوا أنّ كثيرا من النّعم التي أنعم الله بها لم تُوجد لهم, فأعرضوا عن هذه النّعم الحلال. وبناء على ذلك، ففي الكثير من الدّول الإسلامية ترك النّاس الجمال والفنّ والنّظافة وومواكبة كل ما هو عصري, هناك ظهرت أشكال للحياة تتميّز بالرّداءة والفوضى والجهل, بعيدة كل البُعد عن النّظافة والجمال والفنّ. وبعد أن انتشرت هذه المظاهر بين الأغلبية تشكلت صورة نمطيّة عن الإسلام في العالم.
دملا بامير: في الحقيقة لا يوجد إسلام كهذا, ولا يمكن أن نفهمَ كيف يُقدم شخص على نبذ الجمال المذكور في القرآن أو هجر الطّهارة التي اِمتدحها الدّين وامتدح الجمال وأمر بهما. ومثال ذلك قوله تعالى "وَثِيَابَكَ فَطَهّرْوالرُّجْزَ فَاُهْجُرْ" (سورة المدثر، (5-4. وهذا هو الأمر الأكثر اِنسجامًا مع الفطرة ومُلاءمة لروح المؤمن وفِطرته, و قد أُمر المسلمون في القرآن الكريم بتطهير أنفسهم وملابسهم ومساجدهم التي يُصلّون فيها. يقول الله تعالى "إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" (سورة البقرة، 222).
أمره أجار: المُسلمون مُكلّفون بأن يكونوا أكثر النّاس طهارةً واعتناءً بنظافتهم, وهم حريصون في كلّ لحظة على تطبيق أوامر الله تعالى, وهم مُخلصون وصادقُون في ذلك. وهم كذلك حريصُون جدّا على الاعتناء بطهارتهم, والجودة صفة ملازمة للمؤمن في كل مجال من مجالات حياته، ولا يُمكن التخلّي عنها أبدَا. والإتقان والجودة من أهمّ ما يجعل الحياة رائعةً.
دملا بامير: بعض الأشخاص, وبسبب فهمهم الخاطئ للإسلام ترى أغلبهم مُهملين لأنفسهم قَذِرين, على هيئة متناقضة تماما على ما يقوله القرآن, ويُقدمون صورة سيئة جدا عن الإسلام. هم يتعاملون بطريقة بعيدة تمامًا عن اللّياقة في المأكل والملبس والكلام, وهم يصرّون إصرارًا غريبًا على المضيّ في هذا السّلوك، بل إنّهم صاغوا لأنفسهم فهمًا للإسلام يدعو الى إلغاء الجمال تمامًا من حياتهم، فهم لا يسمعون المُوسيقى ويتبرّمون من مشاهدة الصور والرّسوم, ويُعاملون النّاس بجفاءٍ ولا يُحادثونهم ولا يُعيرونهم اهتمامًا, أجل هذا خطر كبير.
أمره أجار: عندما تغيب الجودة ويُفقد الإتقان ينكفئ النّاس على أنفسهم ويَفقدون الطّمأنينة، وتزداد أنانيتهم, وتتبلّد مشاعرهم. ومع الوقت تندثرُ في هذا المُجتمع مشاعر الأخوّة والجمال والمحبّة والسّكينة والرّفاهية. وبالإضافة إلى ذلك فإنّ الطّمأنينة تهجر قُلوب هؤلاء, وكمثال على ذلك فأنت تجد الواحد منهم يصلّي صلواته الخَمس ويصومُ ويؤدّي عباداته بشكل منتظم بيد أنّ قيامه بهذه الواجبات لا يمنحه السّعادة والطّمأنينة, بل بالعكس تراهم تُعساء؛ مظهرهم كئيب, ولا أثر للحبّ في ملامحهم, وجوههم مُقطّبة عابسة, كلماتهم جافّة، محرومون من الشعور بالجمال, بل إن بعضهم قد يسعى للقضاء على هذا الجمال. وهؤلاء النّاس تجدهم في كل ناحية من نواحي العالم.
دملا بامير: مُعاملات هؤلاء الأشخاص فيما بين بعضهم البعض بعيدة عن الاحترام, وهم لا يَحترمون أحدًا وخصوصا المرأة، حديثهم عبارة عن سخرية و نشر للسّلبية, وغرس للنّميمة وصياحٌ وخصامٌ، ردود أفعال هؤلاء في مواجهة المواقف الصّعبة لا تخلو من استخدام للعنف والقوّة، وتفوح من كلامهم وأفكارهم رائحة الغضب والحِقد .
أمره أجار: بسبب ما يعيشُونه من سقوط في مجال الجودة فإنّ أنفسهم ومنازلهم وحتى المدن التي يعيشون فيها أبعد ما تكون عن النّظافة والتّرتيب والنّظام.
دملا بامير: لا يُوجد في الدين الإسلامي إكراه أو ضغط , بل توجد الحرّية، بيد أنّ الإنسان السّلبي يفهم هذه الأمور فهما خاطئًا, ويُمارس الإكراه على الآخرين لأنّهم لم يقبلوا طريقة عيشه ومعتقداته. ولا شكّ أنّ من يرفض الدّيمقراطية والحرّية سوف يكون أبعد ما يكون عن الاهتمام بالجمال والفنّ. ومثل هؤلاء يتسبّبون في ضيق شديد للآخرين. ولأول وهلة يبدو أنّ ردّ الفعل هذا هو إزاء الإسلام, لكنه في الحقيقة رد فعل إزاء الرّداءة وغياب الجودة.
أمره أجار: إنّ الرّداءة المنتشرة في العالم الإسلامي قد جلبت على المسلمين نتائج سيّئة للغاية، فانتشار الرّداءة اُعتبر من قبل بعض الجِهات دليلاً على هبُوط قيمة المُسلمين. كما أنّ الدول الغربيّة تابعت بلا مُبالاة كاملةٍ المَجازر والصّراعات الدّاخلية التي تحدث في دول إسلامية مختلفة. والإعلام الغربيّ يُورد أحداثًا يَوميّة لا أهمّية لها، بينما يمرّ مُرور الكرام على ما يقع في بلاد المسلمين من مظالم وانتهاكات, يمرّ عليها كما لو أنّها مجرّد أحداث عادية بسيطة, وسبب كلّ هذه الأوضاع هي الرّداءة والسلبيّة.
دملا بامير: اكتب مثلا كلمة مسلم في محركات البحث على الانترنت في قسم الصّور, سوف تظهر أمامك مباشرة صور لأناس يحرقون الأعلام وأناسٍ يصرخون بكلمات مخيفة وسط أماكن قذرة تبعث على الإشمئزاز، وتنبئ بفساد الذّوق. وهذه صورة صغيرة عمّا يُراد نشره عن الإسلام في العالم من انطباعٍ خاطئ. بعض المجتمعات الغربيّة عندما رأى هذه الصّور السيئة اُصيب بنفور من المسلمين، وأصبح يعتقد أنّ المجتمع الإسلامي بطبعه معادٍ للفن والعلم والجمال والموسيقى والثّقافة والتّعليم والسّعادة واللطف في الكلام والديمقراطية وحرّية الفكر.
أمرة أجار: هؤلاء ظنّوا أنّ الإسلام على هذا الشكل فابتعدوا عنه, بل إنّهم أصبحوا في الجبهة المعادية له, وهناك أشخاص متعصّبون ردُّوا على المعادين للإسلام بطريقة غاضبة وعنيفة فاندلعت الحروب والصراعات, وبسبب هذه النّماذج الخاطئة أصبح ذكر كلمة مسلم يعني الكراهيّة والحزن والبعد عن الفن ونبذ العلم والانفتاح، والجهل بالملبس الأنيق وعدم تذوّق الموسيقى والفضاضة وانعدام الرّحمة. وهذه الأفكار الخاطئة حالت دون إقبال النّاس على الإسلام .
دملا بامير: الحقيقة أنّ هذا المفهوم للحياة لا وجود له في الإسلام, بل الإسلام تمامًا ضدّ هذا الفهم للدّين.وعند الابتعاد عن الخرافات والالتزام بالأخلاق التي أمر بها الإسلام فإنّ هذه الرّداءة التي تفشت في العالم الإسلامي سوف تنتهي، ويزول هذا المفهوم السّيء عن الدين. ففي الإسلام يوجد الإتقان و الطهارة والفن والجمال والعلم والتعليم وجميع أشكال الجمال, ولهذا السبب فمن الضروري أن يكون المسلم أكثر النّاس ترتيبًا وأفضلهم إتقانا لعمله وأوسعهم ثقافةً .
أمره أجار: إن المسلمين أُناس يتصفون بكمال أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وبجمال يوسف عليه السلام وبرفاهية حياة سليمان عليه السلام. وقد وصف القرآن الكريم قصر سليمان عليه السلام، وعرَضَهُ كنموذج للجمال والفن والرّوعة. وقد وعد الله تعالى المسلمين في الجنة بجمال الملبس وكمال الزّينة وفخامة المسكن، كما بشرهم بذلك في الحياة الدنيا كذلك.
دملا بامير: تحدث الله تعالى في القرآن الكريم عن الّذين يُحرّمون نعم الله دون دليل, ويخبرنا أنّ هذه النعم هي في الحياة الدّنيا للمُؤمنين وفي الآخرة كذلك لهم, يقول تعالى, أعوذ بالله من الشيطان الرّجيم:".........." (سورة الأعراف, 7).
أمره أجار: الله تعالى وهب المسلمين جميع النّعم ومظاهر الجمال في الدنيا والآخرة, ولا شكّ أنّ الذين يرضون لأنفسهم بحياة عديمة الذّوق وبائسة وخالية من السّعادة هم يسيرون في الطريق الخطأ, إنّ مهمة تغيير هذا الدّين المزيّف وإحلال المفهوم الصحيح محلّه مهمة تقع على عاتق المسلمين الذين يفهمون القرآن جيّدًا ويطبّقون أخلاقه في جميع مناحي حياتهم.
دملا بامير: وهناك أناسٌ لهم مفهوم مختلف عن الدّين الذي ذكره الله تعالى في القرآن الكريم، فهؤلاء النّاس يعتقدون أنّ الجودة في الحياة تعني فقط السّيارة الفارهة باهضة الثّمن, والملابس ذات الماركة العالمية, والبيت البديع, والتعليم الجيّد. ولا شك أن الله لم يحرم المسلمين من هذه النعم وهذا الجمال لكنّ أساس الجودة في الحياة عندما تكون الروح مرتبطة بخالقها سبحانه وتعالى.
أمره أجار: الله تعالى خلق الإنسان وميّزه عن بقية المخلوقات بالرّوح. ولذلك فإن العامل المؤثر في تركيبة الإنسان هو مدى ثراء الرّوح, فكل إنسان يتميز بثراء الرّوح يعيش معنى الجودة الحقيقي, وجمال الرّوح يظهر لدى المسلم الصّادق الذي يُدرك قدر الله وجلاله وعظمته بعقله, وكل ما يفعله من أعمال يُبدي فيها قدرًا عاليًا من الأخلاق الفاضلة. ونظرا إلى أنّه يتصرف بدافع من محبّة الله وخشيته فهو مسلم مخلص يستخدم ضميره وعقله وإرادته في كل أحواله وأقواله, ومثلما أمره الله تعالى في القرآن فهو لا ينطق إلا بطيّب الكلام ولا يسلك إلا فاضل الأخلاق. ونتيجة لذلك فهو يكون إنسانًا يشعر من معه بالرّضا, وينشر في من حوله الرّاحة و الطّمأنينة والسّعادة.
دملا بامير: هذا الشخص إذا حلّ بأيّ مكان فإنه بدل أن يُفكر بأنانيّة في رغباته الشّخصية يجعل في المقام الأول رضا الله تعالى في كل ما يفعله. وبدل أن يحرص على راحته الشّخصية وتوفيراحتياجاته فإنّه يجعل في المقام الأول رضا الله تعالى وراحة الآخرين, ولهذا السبب فهو يضحّي ويبذل الجهد ولا ينتظرجزاء ذلك إلا من الله تعالى. هذه الأخلاق العالية تُكسب الشّخص روحا أصيلة وسامية, و هؤلاء الأشخاص بأخلاقهم العالية وتجرّدهم مما هو مادّي يحرزون صفات راقية, ويُثيرون لدى الآخرين مشاعر الإعجاب والتّقدير.
أمره أجار: إن المؤمن الذي يعيش وقلبه دوما معلّقا بالله تعالى, مشتاقا لنيل جنّة الخلد في الآخرة يشعر بنعمة الله، ويمتلك روحًا شفّافة عميقة الإحساس. وهذه الإيجابيّة في روح المؤمن يجعلها تتعامل بنظرة مختلفة تمامًا بفضل ما تكتسبه من حظ من الجمال وما تشعر به من مسؤولية إزاء الأحداث، وما تدركه من حكم إزاءها، وما يعتمل فيها من محبة وعدالة ورحمة وتفكير مرهف، وباختصار ما يربطها بالحياة كلّها. ولهذا الاعتبار فالمؤمنون الذين يعيشون بأخلاق القرآن يكونون رفيعي الأخلاق ذوي نفوس أصيلة وتفكير عميق وأهداف عالية ويكونون إيجابيّين جدّا.
دملا بامير: إن الإتقان غير مرتبط بطبيعة الشّخص إن كانت امرأة مكشوفة الشّعر أو محجّبة، فقيرة أو غنية، بل الإتقان مرتبط بالشخص من حيث ترتيبه ونظافته وجماليته وظرافته وإقباله على الحياة، وبالحبّ والاحترام والأصالة. والإتقان أو الجودة يعني الشّخص المثقف واسع الأفق في التفكير، الشخص الديمقراطي منفتح الذهن الذي يحترم آراء الآخرين. والإتقان يشمل أحوال الإنسان كلها وتصرفاته كلها.
أمره أجار: الإنسان المُتقن الإيجابيّ لا ينزل إلى المواقف البسيطة، ولا يضع نفسه في مواضع لا تليق به، بل هو ناضج يعرف ماذا يصنع بوعي. هو إنسان يُشعر نفسه وغيره دومًا بالاحترام. فالإيجابيّة شكل للحياة يُمكن لكل مسلم أن يعيشها بطريقة سهلة، وهي شكل لائق للحياة اِرتضاه الله تعالى للمُسلمين. إنّ المجتمع الذي يهتم بالجودة ويثق في نفسه، وفي الوقت نفسه يكون متواضعًا وديمقراطيا يمثل بالنسبة إلى الجميع سببا للسعادة، والجميع يقبلون بمثل هذا الدين ويحبّونه ويعتنقونه. وإذا أردنا أن نعرّف بالأخلاق الإسلامية في العالم ونقنع بها الآخرين فعلينا قبل كلّ شيء أن نطبق تلك الأخلاق في نفوسنا لكي يراها النّاس فينا. فالله تعالى يحبّ الإتقان، ونحن كمسلمين علينا أن نحبّ الإتقان والجودة والمعاصرة ونعيش ذلك بالفعل إن شاء الله تعالى.
دملا بامير: إنّ الجودة في الإسلام هي أحد المواضيع الأساسيّة في القرآن الكريم، والله تعالى خلق في الجنّة أحسن شيء وأكثره إتقانًا ، يقول تعالى"وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِير (سورة الإنسان، 20). فمثلما ذكرت هذه الآية يسود الجمال والإتقان كل مكان في الجنة. وفي آية أخرى يقول تعالى مصورًا لباس أهل الجنة "يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ" (سورة الدخان، 53). كما يصور القرآن جمال المنازل في الجنة فيقول
"لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ" (سورة الزمر، 20).
أمره أجار: تحّدث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة عن روعة وجمال ما يوجد في الجنة " عن عمران بن حصين وأبي هريرة قالا سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: "ومساكن طيبة في جنات عدن"، قال: قصر من لؤلؤة, في ذلك القصر سبعون دارًا من ياقوتة حمراء, في كل دار سبعون بيتًا من زبرجدة خضراء, في كل بيت سبعون سريرًا, على كل سرير فراشًا من كل لون, على كل فراش زوجة من الحور العين, في كل بيت سبعون مائدة, على كل مائدة سبعون لونًا من طعام, في كل بيت سبعون وصيفة..." (تذكرة القرطبي، ص. 323/554). فالقصور الموجودة في الجنة والأشياء الأخرى كلها لا يوجد ما يشبهها في الدّنيا من حيث الفخامة والجمال. وقد حدثنا عنها القرآن الكريم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم "يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ۖ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (سورة الزخرف، 71).
دملا بامير: لا شك أنّ الدّين الذي يبشّر بهذه الجنة بما فيها من روعة هو دين أصيل ورائع كذلك، وفي سورة الرّحمن يذكر الله سبحانه وتعالى أنّ في الجنة نساء طيّبات النّفوس حسان الوجوه"فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ حُورٌ" (سورة الرّحمن، 70). و القرآن الكريم أشار إلى الجمال الرّوحي والجسدي للنّساء في الجنة. وهذا الجمال وهذه الرّوعة التي خلقها الله تعالى في الجنة لا يُمكن الإحساس بما يشبهها في الدنيا إلاّ عن طريق تطبيق الأخلاق الإسلاميّة.
وحياة حبيبنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانت سببا في هداية أناس كثيرين جدًّا هي بالنّسبة إلينا نموذج يُقتدى به من حيث الجمال والاستقامة.
أمره أجار: عاش نبيّنا عليه الصلاة والسلام حياة غاية في الجودة في كل المجالات الحياة، وأظهر أخلاقا سامية جدّا؛ في مجال النظافة وفي مجال الطعام، فكان يأكل من أطيب الطعام وأطهره، واستعمل أجمل اللّباس. وقد أولى الرسول صلى الله عليه وسلم أهمية كبرى للجمال رغم وجوده في بيئة صحراويّة، وحوّل كل مكان يوجد فيه إلى ما يُشبه الجنة في تلك الظروف بالإمكانيّات والوسائل المتوفّرة آنذاك.
دملا بامير: أبانت آداب الرّسول صلى الله عليه وسلم في الحديث وأسلوبه كذلك عن مستواه الرّفيع جدّا في الثقافة وإتقانه لكل شيء. وقد تحدّثت السيدة عائشة رضي الله عنها عن الأخلاق التي رأتها عند الرّسول صلى الله عليه وسلم فذكرت أنّه لا تُوجد أخلاق أسمى من أخلاق الرّسول عليه الصلاة والسّلام، وعندما يدعوه أحد من أصحابه أو من أهله كان يردّ عليه بالقول" لبّيك"، ولهذا السّبب، ولهذا السّبب وصفه القرآن الكريم بقوله" وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ".
أمره أجار: ومن الأدلة على جودة أخلاق الرّسول صلى الله عليه وسلم الأهمّية والأولوية التي أعطاها للمرأة، وكذلك حبّه للأطفال ونطقه بالكلام الطّيب ورهافة حسّه، وباختصار جميع مظاهر الكمال الأخلاقي التي تمثل لنا نموذجًا دليلٌ على الأهمّية التي أولاها نبيّنا للجودة والإتقان في كلّ شيء. وكان أفضل أكمل إنسان في العصر الذي عاش فيه. وكان أشدّ الناس رحمة بالنّاس وأحسنهم لباسا وأفضلهم تعاملاً وأكملهم عقلاً وأعظمهم شفقة وعدلاً ورحمة، ولو أنّه عليه الصّلاة و السلام عاش في زماننا لكان أفضل النّاس خُلقًا وهيئةً.
دملا بامير: إن مفهوم الجودة الذي يُكسبه القرآن الكريم للمرء مهم جدّا من أجل نشر الإسلام في العالم، والمسلمون مثلما يدعون النّاس بالكلام الطيّب فينبغي أن يدعوهم كذلك عن طريق تحلّيهم هم أنفسهم بأخلاق القرآن مع من حولهم من خلال سلوكهم وتصرّفاتهم.
أمره أجار: كثير من الناس يتأثّرون سلبا بسبب سلوك أولئك الّذين يدعونهم إلى الأخلاق الحسنة، بينما هم يُعانون من نقص شديد فيها، هؤلاء النّاس بسبب فهمهم المشوه لأخلاق القرآن، وبسبب قناعاتهم الخاطئة بشأنها يصبحون، لا سمح الله، سببا لابتعاد النّاس عن الإسلام. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا" (سورة المائدة، 3). والإسلام دين الجمال، وهو أنسب دين لفطرة الإنسان، فالجمال والسعادة والجودة والانشراح والمعاصرة والمحبة والشفقة كلّها من أجل المسلمين. وهذا هو نموذج المُسلم في القرآن الكريم.
دملا بامير: فالمُسلم المذكور في القرآن الكريم عاقل متعلّم ومواكب لعصره ومنفتح على الخارج، ويتميّز بالإتقان في كلّ شيء. والمسلم المذكور في القرآن ينزع الكراهية ويزرع المحبّة، المسلم المذكور في القرآن يجلب السّعادة ويطردُ الحُزن، يسعى إلى السّلام لا إلى الخصام، المسلم المذكور في القرآن جميل مرتّب ولباسه جميل ورائحته طيّبة ومسكنه طيّب.
أمره أجار: إنّ الجمال ومواكبة العصر والأصالة والجودة تتكون بشكل طبيعي في الملبس الحسن وفي البدن المُعتنى به، وفي الأسلوب الجميل وفي الوجه المليء نظارةً ومحبّةً. والإسلام يحرص على إحلال السّلام، وينبغي هجر أولئك الذين يسعون إلى إقحام الخرافات في الإسلام ويحرّمون من عند أنفسهم ويجلبون للعالم الحقد والكراهية، ويمثّلون نموذجًا سيئا وخاطئا عن الإسلام.
دملا بامير: وهكذا فإنه لهذا السبب، من الأهمية القصوى للمسلمين الذين ينتهجون طريق القرآن الكريم أن يوضحوا للعالم نموذج المسلم القرآني الذي يتميز بالإتقان والمحبّة ويزيلوا عنهم الأخطاء والأحكام المُسبقة التي رسخت عندهم بخصوص الإسلام. هذا ما يريده الله تعالى منّا.
أمره أجار: أعزائي المشاهدين وصلنا إلى نهاية حلقة برنامجنا لهذا الأسبوع. وفي الأسبوع المقبل إن شاء الله سوف نواصل الحديث عن جانب آخر من جوانب الجمال في ديننا الإسلامي. نرجو لكم أسبوعا مليئا بالخير. في أمان الله.