أكثر من يعانون في المنازعات هم المجندون الأطفال هارون يحيى

 

الأطفال هم مستقبل العالم، هم الذرية. يعتمد القاصرون علينا، نحن الناضجين، بغض النظر عن مكان إقامتهم أو من هم آباؤهم. إنهم ما زالوا أبرياء والطريق أمامهم طويل حتى يستطيعون التفرقة بين الحَب والقش. إنهم الأرواح البريئة التي تؤمن بحياة مُشرقة.

 

إلا أنه توجد عقليات تُحاول تسويد تلك الأرواح النقية بظلام الحروب. فقد ما يقرب من 12 ألف طفل أرواحهم مُنذ بداية الحرب الأهلية في سوريا، وفقًا لما جاء في بيان المرصد السوري لحقوق الإنسان، ويعيش عشرات الآلاف ممن نجوا بإصابات أو بعين أو أذن مفقودة أو أحد أعضائهم. والأصعب من ذلك، قضية الأطفال المجندين، الذين يُجبرون على تعلم حمل السلاح والمشاركة في الحروب في سن صغيرة، يتعلمون القتال في الصفوف الأولى، ليخدموا كانتحاريين أو دروع بشرية.

 

يُساء استخدام الأطفال من قبل الجماعات المُسلحة في الحروب الأهلية، تحديدًا في أفريقيا. من المعروف استغلال الأطفال في النزاعات المسلحة في بلاد مثل موزمبيق وليبيريا وسيراليون وأوغندا. تُظهر التقارير أن الأطفال المجندين يُجبرون من الجهات الفاعلة غير الحكومية على المشاركة في الحروب الأهلية التي تنشُب في البلاد مثل ليبيا وسوريا والعراق. على سبيل المثال، أثناء الحرب الأهلية في ليبيا، زُعم أن الأطفال المجندين كانوا مسؤولين عن حماية مبان بالاشتراك مع وحدات زوايا وتابو في الكُفرة وحملوا السلاح.

 

يوجد على الأقل 300 ألف طفل مُجند يُجبرون على القتال في 30 رقعة نزاع مُختلفة على وجه الأرض.

 

أثناء الحرب المطولة والتي دامت سبعة عشر عامًا في أفغانستان، استُخدم الكثير من الأطفال كمُجندين حتى صارت نسبتهم من جموع المقاتلين 45% في سن أقل من 18 عامًا، نسبة 20% من مُجندي ميانمار من القاصرين، ثُلث المقاتلين في اليمن هم من الأطفال، ويوجد حاليًا حوالي 16 ألف طفل مجند في جنوب السودان.

 

"صرت شخصًا جيدًا"

 

يمكنك أن تقرأ الألم في ملامح وجه سيمون، طفل مُجند سابق من جنوب السودان عنده 12 عامًا، حينما يحكي عن سنوات خدمته في التجنيد:

 

"العودة للمنزل أفضل من البقاء في الجيش، لأن في الجيش تُسجن عند ارتكابك خطأ وتُعاقب لأسابيع. كنت أغسل الملابس وأطهو الطعام، صرت حارسًا شخصيًا. لذا، عندما حُررت من التجنيد وأخذتني (اليونيسيف) لمركز الرعاية، صرت شخصًا جيدًا. هناك، لا أحد يُزعجني، ولا أحد يؤذيني. كنت أتسلم الطعام. أعتقد أنه يجب ألا يُجند الأطفال".

 

على الرغم من المبادرات الكثيرة التي تُطرح في الفترة الأخيرة من أجل هؤلاء الأطفال المُجبرين على القتال، إلا أنه من المستحيل إزالة آثار العنف بالكامل. لذا، يجب على القادة السياسيين والرموز الاجتماعية بذل جهد لإيجاد حلول فورية لتلك النزاعات القائمة، من أجل التأكد من خروج السكان المدنيين وخاصة الأطفال من تلك النزاعات ومن أجل تجنب نشوب أية حروب جديدة.

 

 

وفقًا لمبادئ باريس، يتم تعريف الطفل المُجند بأنه: "الطفل المُلحق بقوات مُسلحة أو مجموعات مُسلحة". لا يشمل ذلك التعريف الأطفال المشاركين بشكل مباشر في النزاعات المُسلحة فقط، ولكن أيضًا الأطفال الذين يتم استخدامهم بشكل سيء في دور الإمداد مثل الطهي والحمل وكتابة التقارير وزرع الألغام والتجسس وفي الأغراض الجنسية. وبناءً على ذلك، كل الأطفال المُلتحقين بمجموعات مُسلحة يندرجون تحت ذلك التعريف.

 

ورد في المقال الأول لوثيقة الأمم المتحدة في حقوق الأطفال: "الطفل هو كل إنسان دون الثامنة عشرة من عمره". تعريف "الطفل" واضح وضوح الشمس في القانون الدولي، إلا أن تلك التعريفات لا تُغير حقيقة العالم. ازدادت الحروب بشكل ملحوظ، وازداد معها تجنيد المزيد من الأطفال في قوات النزاع. يسهُل التلاعب بعقولهم الصغيرة بالخوف أو التهديدات أو أية طرق أخرى، ولا يتم تجنيدهم من قبل الجماعات المتمردة المسلحة فقط، بل من قبل بعض الحكومات أيضًا، مما يزيد في أعداد الأطفال الأيتام الذين يشهدون مقتل عائلاتهم وأصحابهم، ويُعانون من الخوف وبؤس الحرب كل يوم.

 

على الرغم من التحركات الدولية والجهود المبذولة في القانون الدولي، إلا أن استخدام الأطفال المُجندين ما زال على قائمة المسائل التي لم تُحسم بعد، وبالطبع لا يمكننا التخلي عن أطفالنا لتلك التهديدات، فهم قُرة أعيننا ومستقبلنا.

 

يجب أن نعمل جميعًا معًا لحل تلك المُشكلة وتوعية الناس، الذين يتخيلون أن العالم بكل أطفاله - دون استثناء - يعيشون حياة سعيدة، يجب أن يهبّوا لمعالجة تلك الأزمة مرة واحدة، يجب إنشاء لجان دولية من أجل النظر في تلك الأزمة، كما يجب خروج حملات مع الإعلام على كل الجبهات، يجب أن تتعامل المنظمات غير الحكومية الساعية للسلام العالمي بأولوية لتلك الأزمة، يجب أن تضع المؤسسات - مثل الأمم المُتحدة - الحلول لتلك الأزمة البشعة التي يواجهها الأطفال المُجندون.

 

 

يجب أن نعرف أنه لا يمكن حل تلك المشكلة بلجنة أو مؤسسة واحدة. إقامة حملات عالمية لتلك الأزمة بإمكانها أن تكون أحد الحلول الفورية، وإذا لزم الأمر، تقع العقوبات على الدول التي تُصر على تجنيد الأطفال. تُعد الاجتماعات التي يحضرها قادة العالم، مثل قمة العشرين، فُرصة مهمة لأخذ خطوات متماسكة واحتياطات في ذلك الصدد.

 

يجب أن يخطوا كل واحد الخطوة الزائدة من أجل إبراز المشكلة والتأثير على الرأي العام حتى لا يصبح الأطفال مُجندين للعنف. في الحقيقة ما يجب فعله، أن يوضع حد للنزاعات المتزايدة، والحروب واللجوء لحلول دبلوماسية.

 

 

لم تُحل أية مشكلة سابقًا بالنزاعات المُسلحة، ولا يمكن حل أي نزاع بالسلاح. كل من يحلمون بعالم ينمو الأطفال فيه في حب ورعاية وسلام وأخوة وسعادة، يجب أن يسعوا معًا لإزالة تلك الإهانة من على وجه الأرض فورًا.