وجهة نظر- حقوق المرأة

 أهلا  ومرحبا بكم في برنامج وجهة نظر

نعرض لكم  في هذه الحلقة الجديدة موضوعًا عن " حقوق المرأة "

إن حقوق المرأة موضوع يتم نقاشه في العالم أجمع، وكما نعلم جميعا إن يوم المرأة هو  يوم دولي عالمي حدّدته منظمة الأمم المتحدة وخصّصته للاحتفال بنجاحات المرأة في الحياة الاقتصاديّة والسياسية والاجتماعية طبقًا لمعاهدات حقوق الإنسان.

والسؤال الذي يرد على الذّهن هو التّالي: كيف ضُيّعت حُقوق المرأة الطبيعيّة ؟ وكيف اُعتبر اِسترادها لهذه الحقوق نجاحًا يُحتفل به؟ مع أنّ المرأة وُلدت بتلك الحقوق، وقد أعطاها الله الذي خلقها هذه الحقوق. ولقد تمّ تعريف هذه الحقوق في القرآن، ومدح القرآن المرأة لمزاياها العالية؛ فالمرأة في القرآن الكريم تحكم دولةً، ويتمّ الرّجوع إلى آرائها، وهي صاحبة دعوة، كما أنّها ترمز إلى الجمال واللطف. فهي نعمة كبيرة للبشريّة بجمال أخلاقها وبأعماق روحها وبعمق الرحمة التي في قلبها وبفكرها الرّاقي، وبقوة حبّها وشفقتها وتضحيتها.

ولكن هل نالت المرأة التّقدير والقيمة التي تستحقّها في هذا العالم رغم كل هذه المزايا الّتي تمتلكها؟ مع الأسف لا، فلماذا لم تنل هذا التقدير؟ وما هي وجهات النّظر المختلفة التى تعيق هذا الأمر؟ وما هي وجهة نظر القرآن الكريم؟ سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة من خلال برنامجنا هذا.

ويبدأ الملف الخاص بحقوق المرأة في برنامج "وجهة نظر"...

ولنلق الآن نظرةً على ملخّص برنامجنا، وعناوين برنامجنا اليوم على النّحو التّالي:

ونبدأ في قسم "الخلفيّة التّاريخيّة"، لنذكر فيه المكانة التى نالتها المرأة في المجتمعات في الأزمنة الماضية، ثم في "تقرير الوضع الرّاهن" سنتناول حقوق المرأة في العالم في هذا العصر والعنف المُوجّه للمرأة والتّدابير التى تمّ إتخاذها حيال ذلك . أمّا في قسم "ما وراء السّتار" فسوف نتحدّث عن الأسباب التي تؤدي إلى الإساءة للمرأة ووجهات النّظر المُتباينة تُجاه المرأة، وفي النهاية  تحت عنوان "سبل الحل" سنتحدث عن كيفية منع العنف المُوجه للمرأة، وكيف يمكن للمرأة أن تنال التّقدير الذي تستحقّه.

·  

ملخص البرنامج:

-       الخلفية التاريخية

-       تقرير عن الوضع الرّاهن

-       ما وراء الستار 

-       سبل الحلّ

الخلفية التاريخيّة:

سنبدأ برنامجنا بالخلفية التّاريخية، ويمكن أن نتناول هذا االعُنوان تحت ثلاثة مراحل وهي:

-       مرحلة ما قبل الإسلام

-       مرحلة الإسلام

-       مرحلة الفَساد وظهور الخُرافات

مرحلة ما قبل الإسلام:  

والآن لنلق نظرةً على مكانة المرأة في المجتمع العربي قبل الإسلام.

كانت هناك نظرة سلبية للمرأة في المجتمع الجاهلي، فالعربُ في الجاهليّة كانوا لا يهتمّون برأي المرأة وكلامها ولايأخذون برأيها، وكانوا يَرون أنّ المرأة مصدر إحراج ومجلبة للعار. ولهذا السبب كانوا يخجلون من الأنثى ويدفنونهنّ أحياء، ولقد ذكر هذا الأمر في القرآن الكريم كما يلي: "وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ" ( سورة الزّخرف، 17).

فالنّساء في الزواج كن يُبعن ويُشتريْن ، ولم تكن لهن حقوق في الميراث، وإذا مات زوجها تبقى المرأة ميراثا لأهل زوجها. والآن ننظر في أحوال المرأة ووضعها في المجتمعات الأخرى:

ففي إنجلترا حتّى القَرن الحادي عشر كان الرّجال في انجلترا يستطيعوا بيع نسائهن، وكانوا ينظرون إلى المرأة على أنّها شيطان، ولم يكن يُسمح للنّساء بمس الإنجيل، ولم يكن للمرأة الحقّ في الجلوس على مائدة واحدة مع الرّجل، ولا تستطيع الحديث إلا إذا سُئلت، ولم يكُن الأولاد الذّكور يُعطون لأمهاتهم أهمّية أكثر من كونها خادمة.

أما في الصين فلم يعتبروا المرأة إنسانا أصلاً. وطبقا للقانون الرّوماني فالنساء ناقصات عقل، وفي اليونان القديمة كانت المرأة من الناحية القانونية شيئًا يُباع ويشترى، وفي بابل كان يسوى بين المرأة والحيوانات المُستأنسة. نعم كانت هذه الخُطوط العامة قبل الإسلام، أمّا الُعنوان التّالي فهو الوضع في مرحلة ما  بعد الإسلام.

مرحلة ما بعد الإسلام:

مثلما رأينا، فقبل الإسلام كانت تسيطر على كلّ مكان في العالم عقيدة تَعتبر المرأة متاعًا، وتحتقر المرأة لا لشيء إلاّ  لكونها امرأة، ولقد غيّر القرآن الكريم هذه النّظرة تماما، وبالاسلام مُنع العرب من النظر إلى المرأة تلك النظرة السّيئة الخَاطئة، ولقد ذكر القرآن الكريم ما كانت تصنعه العرب من وأْدٍ للبنات، هذا الأمر الذي كان شائعا في الجاهلية في قوله تعالي:

"وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ" (سُورة التّكوير،  آية 8- 9).

" وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ"( النحل ، آية 58- 59).

فكان العربُ يفضّلون قتل بناتهم لعدّة أسباب، وأول هذه الأسباب هي قساوة العيش والخوف من الفقر، ويوضح القرآن الكريم أنّ هذا الأمر غير صحيح ونهى عنه  في قوله تعالى:

"وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا " ( سورة الإسراء، 31).

وطبقا لما جاء في القرآن الكريم فلا يُوجد فرقٌ بين المرأة والرّجل من جهة العبودية لله،  وطبقا لآيات القرآن والأحاديب النّبوية  فالفضل يكون بالتّقوى والعمل الصالح. كما أنّ النّساء والرّجال في عهد الرّسول صلى الله عليه وسلم قد احتلوا مكانًا مميزًا في نواحي الحياة الإجتماعية، فكان من الصحابيّات من عملن بالتّجارة والطبّ ونظم الشّعر، وخاصّة بعد الهجرة إلى المدينة أظهرت الصّحابيات تضحيات عظيمةً وقدّمن خدمات كُبرى في مرحلة تأسيس المجتمع الإسلامي الجَديد.

إن الكفاح من أجل حقوق المرأة كان واحدًا من أكبر أنواع الكفاح الذي خاضه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولقد أكّد عليه الصلاة والسّلام على مُساواة المرأة بالرّجل، حتّى إنّه شجّع النّساء على أن يكن في المقدمة في كثير من المواقع،  ولقد اهتم النبيّ صلى الله عليه وسلم بتعليم المرأة.

فكان النّساء يأتين إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم للاستماع إلى أحاديثه، ويُشَاركن في صلاة العِيدين، ولقد أوضحت السّيدة عائشة رضي الله عنها مُعاملة الرّسول صلى الله عليه وسلم لأزواجه كما يلي: "كان أليَنَ الناس، وأكرَم الناس، وكان رجلاً مِن رجالكم إلا أنه كان بسامًا"  (ج. أحمد ضياء الدّين، رموز الحديث ، ج2 ، مطبعة كونجه، استانبول 1997، 531/ 7)

ولقد أعلى الرّسول صلى الله عليه وسلم في الكثير من أحاديثه من شأن المؤمنات، فقال " الدّنيا متاع وخير متاع الدّنيا المرأة الصالحة " ( صحيح مسلم ، باب الرّضا، 46 ، (1467)، النسائي ، النّكاح  15 ، (6/69)، الكتب السّتة ، مختصر التّرجمة والشرح ، الأستاذ الدكتور إبراهيم جانان، ج 15 ، مطبعة أق تشاغ، أنقرة ، ص 514).

إنّ كلّ هذه المعلومات تبين لنا مقدار ما للمرأة من قيمة في القرآن الكريم، ولكن الخرافات التى ظهرت بعد موت النّبي صلى الله عليه وسلم وعصر الخلفاء الرّاشدين بدأت تقلّل مرّة أخرى من القيمة التي مُنحت للمرأة ، وفي العنوان التالي سنوضّح مرحلة التّراجع هذه.

مرحلة الفساد وظهور الخرافات:

لقد أعطى الإسلام للمرأة المكانة التى تستحقها وأعلى من شأنها، وفي مرحلة الفساد والانهيار ظهرت العديد من الخُرافات وظهرت مرة أخرى النّظرة الخَاطئة للمرأة، فقد بدأ يُنظر إلى المرأة على أنّها تمثل نصف الرّجل ، ويجب عليها ألاّ تتزيّن ولا تتعطر ولا تتنقل، ومُنعت النساء حتى من مسّ المُصحف، ومنعوهنّ كذلك من تعلّم أمور الدّين. إنّ النساء اللاّتي تعرّضن لهذه الخرافات لا يعلمن أنّ القرآن قد مدحهُنّ وأنّهن قد خُلقن على درجة واحدة مع الرّجال. إن هذا المفهوم المتعصّب قد هضم المرأة حقّها وزاد من ظلمها.

وقد تم نقل هذه الخُرافات وتعليمها وكأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد قالها بالفعل، وافتروا على النبي صلى الله عليه وسلم بعض الافتراءات ، وها هي بعض هذه الخُرافات:

"يَقْطَعُ صَلاَةَ الرَّجُلِ الْمَرْأَةُ ]الحائض[وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ الأَسْوَدُ" قال أبو ذر: يا رسول الله ما بال الأسود من الأحمر؟ فقال: "الْكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيْطَانٌ" صحيح مسلم ، الصّلاة 265 ؛ التّرمذي، الصّلاة 253/ 338 ؛ أبو داود ، الصّلاة ، 110/ 720).  

"عَلِّقُوا السَّوْطَ حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُ الْبَيْتِ، فَإِنَّهُ لَهُمْ أَدَبٌ" (الشّوكاني ، الفوائد ، النّكاح ، ص 137، هـ 389/ 61).

"من تسع وتسعين اِمرأة واحدة في الجنّة وبقيّتهن في النّار"  (صحيح البخاري)

" شاوِروهُنّ وخَالفوهُنّ" (المقاصد الحسنة، 248، تذكرة الموضوعات: 128، تنزيه الشّريعة: 2/ 204 ، سلسلة الحديث: 432).

ولا يوجد في القرآن الكريم آية تدل على هذه الخرافات، ولقد تحدّث المولى عزّ وجلّ في القرآن الكريم عن النّساء كما يلي:

"إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا" ( سورة الأحزاب، 35).

وكما نرى فلا يوجد في القرآن هذا الفهم المتعصّب الخطير الذي يُحقر من المرأة. أمّا الآن فسوء الفهم لمكانة المرأة هو المسيطر على شرائح كبيرة من المجتمعات في العالم. وهنا ينتهي القسم الخاص بالخلفيّة التّاريخية، وننتقل إلى القسم الخاص بتقرير الوضع الرّاهن.

 تقرير الوضع الرّاهن:

في هذا القسم المسمّى تقرير الوضع الراهن نتناول الأضرار التي تسببها هذه العقليّة على وضع المرأة في العالم عموما، وفي العالم الإسلامي وفي أوروبا وفي تركيا بشكل خاص، وسنتحدث عن التّعديلات القانونية اللاّزمة للحيلولة دُون وقوع هذه الأضرار.

الوضعيّة في العالم عامة:

كل عام يتم الاحتفال بحقوق المرأة في تواريخ معيّنة، ولكن النّساء لم يحصلن على حُقوقهن بعد، فاذهبوا إلى أي مكان في العالم وسوف ترون انتهاكاتٍ جسيمةً لحقوق المراة، فأحداث العنف والتّعذيب والاغتصاب لا تنتهي.

ولقد استمرت مساعي البحث عن حلول لهذه المسألة لقرون طويلة، ولتحقيق هذا الهدف صدرت العديد من القوانين وأُسّست الجمعيّات، وظهرت الكثير من المفاهيم مثل الحركات النسائية، أو المؤيدة للنّساء.

وطبقا لتقارير الأمم المتّحدة فإنّ 70 % من نساء العالم يتعرضن للعُنف؛ ففي العام الواحد يتعرض 500 ألف إلى مليونيْ شخص للظّلم بأشكاله المختلفة من الاتّجار بالبشر بأهداف مثل الدّعارة والعبوديّة، والنّساء والبنات يشكلن 80% من هذا العدد.

والآن نعرض على الشّاشة الغرامات المالية السّنوية النّاتجة عن استخدام العنف ضدّ الزّوجة؛  ففي انجلترا تبلغ 32 مليار جنيه، وفي استراليا 13.6 مليار دولار، وفي الولايات المتحدة الامريكية 4.1 مليار دولار، وفي نيوزلندا 1.2 مليار دولار، وفي كندا 1.16 مليار دولار.

وطبقا لبرنامج التّنمية التابع للأمم المتّحدة فإنه في أكثر من 35 دولة لا يُعتبر اعتداء الأب على ابنته جريمة، فهناك أكثر من 603 مليون امرأة  يعشن في دول لا تَعتبر الاعتداء البدنيّ داخل العائلة جريمة. أمّا منظّمة الصّحة العالميّة فتوضّح أنّ ثلث نساء العالم تعرّضن للاعتداء البدنى أو الجنسى، والنسبة الأعلى للاعتداء البدني على النّساء داخل العائلة تحدث في أفريقيا والشّرق الأوسط وجنوب شرق آسيا.

في الدول الإسلامية:

والآن لنوجه النّظر ناحية الدّول الإسلامية، وسنتناول حالة العراق من خلال التّقرير الذي أعدّته  منظمة مراقبة حقوق الإنسان، ونشرته في 6 فبراير  تحت عنوان " لا أحد في أمان".

وطبقًا لهذا التقرير فإنّ الآلاف من نساء العراق اللاّتي اُحتجزْن في السّجون بدون جريمة  تتعرضّن للتعذيب والاغتصاب. يقول السّيد جو استوك نائب رئيس منظمة حقوق الإنسان  في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "إنّ مسئولي قوى الأمن العراقيّة يتصرّفون كأنّ استغلال النّساء الظّالم سيجعلُ العراق أكثر أمنًا وأمانًا".

إن تلك العقلية المضطربة المشوشة مسيطرة على كل دول العالم الإسلامي، وطبقا للبحث الذي قام به وقف طومسون روترس في 22 دولة عربية فإنّ مصر تحتل المرتبة الأخيرة في ترتيب حقوق المرأة.

فنسبة 99.3 % من النّساء في مصر يتعرّضن للتحرّش الجنسي، و91% من النّساء يتعرّضن للختان، ولا يُسمح لهنّ باعتلاء أي منصب سياسي. ولا توجد امرأة واحدة في البرلمان العراقي.  كما أنّ اللاّجئات السّوريات تتعرّضن  للاعتداءات الجنسيّة، ويُجبرن على الزّواج. وأكثر من 99% من النّساء في ليبيا يتعرّضن للعنف داخل العائلة، و70 % من النّساء الأفغانيات يتعرّضن للعنف والاعتداء الجنسى من قبل الشّرطة، ولا يوجد أيّ قانون يمنع العنف الجنسي في الكويت وجيبوتى والجزائر.

والنساء في السّعودية ممنوعات من قيادة السّيارات، ونسبة النّساء الأمّيات في الدّول الإسلاميّة عالية للغاية، وتصل هذه النسبة في أفغانستان إلى 97.6%، وفي اليمن إلى 91.3 %، وفي باكستان إلى 89.2%، وفي بنجلادش إلى 86.6%.

في الدول الأوربية:

من الإحصائيات السابقة يتّضح لنا أن النّساء في الدّول الإسلامية بعيدات كل البعد عن التعليم، ولكن الدّول الأوروبية التى تزيد فيها نسبة التّعليم لا تخلو هي بدورها من مظاهر تعنيف المرأة. وطبقا لمنظمة الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي فإنّ واحدة من كل عشرة نساء في الاتّحاد الأوروبي تتعرّض للاعتداء الجنسي، وواحدة من كلّ عشرين إمراة تكون ضحية الاغتصاب. وطبقا لهذه الأرقام فإنّ ضحايا الاغتصاب في الاتّحاد الأوروبي أكثر من 9 ملايين وضحايا العنف نحو 62 مليونا.

أمّا الدول التى تقع فيها هذه الانتهاكات بكثرة فهي: الدّنمارك بنسبة 52%، وفنلندا بنسبة 47%، والسّويد بنسبة 46%، وانجلترا وفرنسا بنسبة 44%.  إنّ وجود هذه الدول التي تُمتدح فيها المساواة بين الجنسين على رأس القائمة يشكل تناقضا صارخًا.

تركيا:

لا يختلف الوضع كثيرا في تركيا عما رأيناه في الدّول العربية والأوربية. والآن لنلقِ نظرةً على الاحصائيات الخاصّة بتركيا؛ ففي سنة 2013 م حدثت 783 واقعة عنف ذكوري، وفي سنة 2013م قتل 214 شخصًا، وفي السنوات الأربع الأخيرة قتلت 853 امرأة . وفي سنة 2013 م تعرّضت 167 اِمرأة للاغتصاب، وفي آخر أربع سنوات تعرّضت 626 امراة للاغتصاب. وفي سنة 2013م تعرضت 241 امرأة للعنف، بينما وصل هذا العدد في آخر أربع سنوات إلى 835 حالة. وفي سنة 2013 تحرّش الرّجال  بـ 161 امرأة .

التعديلات القانونية:

رأينا أن العنف ضد المرأة قد وصل إلى مستويات مخيفة، وحدثت تعديلات قانونية عديدة لمنع ارتكاب هذا العُنف، وآخر تطوّر في هذا الأمر كان توقيع القانون المقترح من قبل جمعية وزراء الاتحاد الأوروبي لمنع العنف ضدّ المرأة والعنف داخل الأسرة وتوقيع الاتّفاقية الخاصّة بالكفاح ضد العنف تجاه المرآة  من قبل المجلس الأوروبي في استانبول سنة 2011م.

أما العنف ضد المرأة في تركيا فقد طرح على السّاحة للنقاش سنة 1890 م، ووضعت الكثير من القوانين منذ ذاك اليوم حتّى الآن، واتّخذت الكثير من التدابير لمنع هذا العنف، ولكن ما تمّ اتخاذه لم يكن كافيا لمنع العنف. إنّ عدم اِتّخاذ تُركيا التّدابير اللاّزمة لمنع العنف داخل الأسرة جعلها الدّولة الأولى التى حكمت عليها محكمة حقوق الانسان الأوربية بدفع غرامه ماليّة.

بعد هذا القرار تم التوجه لعمل التّعديلات الدستورية، وسعت التّعديلات التى تمّت في القانون المدني  والدستور إلى تعزيز المُساوة بين الرّجل والمرأة، وتم تفعيل القانون الخاص بحماية الأسرة ومنع العنف ضد المرأة في 2012م. ورغم هذه التّعديلات الأخيرة زادت بالتّدريج وقائع العنف المؤدية إلى الموت.  

وكل هذا يُظهر لنا أنّه من المحال منع العنف ضد المرأة بواسطة القوانين فحسب،  فلن ينتهي العنف ضد المرأة ولو أُصدرت أفضل القَوانين طالما بقيت تلك العقليّة التى ترى المرأة نصف إنسان. والآن لنرى في قسم "مَا وراء السّتار" ما هي العوامل المُؤدّية إلى ارتكاب أحداث العنف ضدّ المرأة والانتهاكات بحقّها.

ما خلف الستار:

سنبحث العوامل المؤدية إلى العنف تحت ثلاثة عناوين رئيسية هي:

-       عامل نظرية داروين

-       عامل حرّية اللباس

-       عامل موازين القوى

عامل نظرية دراوين:

إنّ الفرق بين الجِنسين المسيطر على العالم نابع من نظرية التطور، فيرى تشارلز داروين أنّ المرأة أقل شأنا من الرّجل سواء من النّاحية البيولوجية أو من النّاحية الذّهنية العقليّة:

بل إنّ بعض أصحاب النظريّات قد أرجعوا الرجل والمرأة إلى نوعين مختلفين. إنّ سبب تعريف داروين للمرأة بأنّها كائن أقلّ شأنا هو عدم تعرّضها لاختبارات الطبيعة بطرق مثل الحرب. وطبقًا لهذه النّتيجة غير العلمية جعل الرّجال أعلى من النساء لأنّ الرجال مرّوا بمراحل تطور أكثر من النّساء. وهناك سبب آخر هو اعتقاده أنّ من خصائص النّساء قلة  الوعي والإدراك وبطء الفهم.

والآن للنظر إلى توضيحات داروين الخاصة بإثبات أفضليّة الرّجال على النّساء:

"إنّ أهم الفروق هي القوى العقلية بين الجنسين، فالرّجال يتميّزون بعمق التفكير والمنطق وقوة الخيال ولا يعتمدون على المشاعر، ونظرهم ليس قاصرًا. وقد وصلوا في كل عمل يُنجزُونه إلى أعلى المواقع على عكس النّساء. ولو عملنا قائمة باسم الرّجال والنّساء الذين بَرَعوا في الشّعر والرّسم والنّحت والموسيقى والتّاريخ والعلم والفلسفة فسنجد أنّه من المحال المقارنة بين القائمتين ...."

" شخص يهتم بك  من المُمكن أن يسلّيك أفضل من كلبك، ويتحمّل مسؤولية المنزل وأهله".

الكثير من الباحثين يرون أن آراء داروين كانت مشجّعة على التّفريق بين الجنسين، وعلى سبيل المثال فإنّ إيفلين ريتشارد أستاذ التّاريخ والفلسفة ترى أنّ آراء داروين عن طبيعة المرأة التى ظهرت في نظرية التطور قد استمرت من جيل إلى جيل، وأدّت إلى تغذية العنصريّة ضدّ المرأة. أمّا عالمة الطبيعة إلينا مورجان فتقول: "لقد استخدم داروين البُيولوجيا وبعض فروع العلم الأخرى وشجّع الرّجال على الاعتقاد بأنّ النساء كائن دنيء  من الدّرجة الثانية ".

عامل حرّية اللّباس:

 إن عقلية داروين المضطربة التى ترى المرأة  "نوعا دنيئًا"  لا تختلف عن العقلية المتعصّبة في العالم الإسلامي التى ترى المرأة  "نصف رجل". إنّ تلك النّظرة جعلت النّساء في كفاح ضد الانتهاكات المستمرة، ولهذا السّبب فإنّ "لباس المرأة" كان من الموضوعات التى تم تناولها كثيرًا في كلّ بقعة من بقاع العالم.  وهناك العديد من التّوضيحات والتطبيقات الخاصة بلباس المرأة. ورغم أنّ الأصل في الدّين هو الإخلاص، فسفور المرأة لا يمنع من كونها مسلمة مخلصةً. فالمرأة المنقّبة والمرأة المحجبة والمرأة السّافرة مسلمة مخلصةٌ. وهؤلاء المتعصبون يسعون لحرمان المرأة من حريّتها. غير أننا نلاحظ من الأمثلة الحيّة أنّ المجتمعات التى تظلم المرأة وتنتهك إنسانيتها ليست مجتمعات سعيدة آمنة، وهذا لأنّ حرية المرأة شرط من شروط راحة المجتمع. فزيّ المرأة وتبرّجها وزينتها يجب أن تكون باختيارها طبقا لما يُعجبها، وليس لأحد الحقّ في التدخّل في هذا الحقّ الطبيعيّ.

يجب ألا ننسى أنّه عند تحقيق المساواة بين الرّجل والمرأة وظهور النساء في جميع مجالات الحياة فسيكون المجتمع كله سعيدًا أمنا، والفيديو الذي سنعرضه الآن هو للمدير العام لوحدة المرأة في الأمم المتحدة، وهو يُدافع فيه عن هذا الرّأي.

التّرجمة التحتيّة: نحتاج إلى التمثيل الذي يُنصف المرأة بالتّساوي في الاتفاقيات وفي المجتمع وفي السّياسة وعالم الأعمال وفي رئاسة المؤسسات الدّينية. إنّ منع العنصريّة  والعُنف الذي يتم مُمارسته تجاه المرأة سوف يُساهم في جعل العالم مليئا بالسّلام والأمن وهذا لأنّ المُساوة بالنّسبة إلى المرأة هي تطور ونجاح للجميع).

عامل موازين  القوى:

نلاحظ أنّ الرّجال لا يُؤيّدون منح النساء حرّيتهن في الحياة العملية، وهذا لأن دعم النّساء سيعنى تغيّر الموازين في حياة العمل والحياة الاجتماعية والعلاقات الأسريّة. والرّجال لا يرغبون في إفساد النّظام الذي أسّسوه والدور الذي يلعبونه، ويريدون أن تكون القوّة في أيديهم باستمرار. وهم يَعتقدون أنّهم إذا أطلقوا الحرية للمرأة فستنافسهم في كلّ مجالات الحياة. إنّ تلك الاعتقادات دفعت الرّجال إلى صناعة وابتكار مجموعة من العبارات لتحقير المرأة  عبر العُصور.

وهذه بعض آراء الفَلاسفة والمثقّفين:

يقول أفلاطون: "المرأة باب جهنّم ". أمّا أرسطو فقد وصف المرأة بأنها "نصف الرّجل  بالنظر إلى طبيعتها". أمّا تشيشرُو فيقول: "لقد خُلقت المرأة حتى تمنع الرّجل من النّجاح في الأعمال الكُبرى". ويرى أنّ المرأة عائق أمام نجاح الرّجل. أمّا نيتشه فيقول: " لا تنس الإمساك بالكرباج أثناء الحديث مع النّساء" وقد جعلها جارية. أمّا تولستوي فيقول: "إنّها كائن تافه، ولهذا فإنّها تجعل روح زوجها تافهة". ويقول كلِمنْت: "يجب أن تموت من الخجل كلّ امرأة لأنّها إمراة ".

إن تلك العقلية التى سيطرت على المادية المُعاصرة ترى المرأة أداة ينبغي استغلالها، ومن جانب آخر فإنّ العقليّة الدّاروينيّة والمادّية والعقليّة المتعصّبة باسم الدّين تمنع  اليوم المرأة من الوصول إلى المكانة التي تستحقّها.

سبل الحلّ:

هناك جهود على مستوى العالم للقضاء على هذه المُشكلة، ومنها إصدار القوانين وتقديم المحاضرات وتطبيق العقوبات الرّادعة وإعداد التقارير والبحوث العلمية، ولكن مثلما رأينا في الإحصائيّات التى ذكرناها طوال هذا البرنامج فإنّ كل هذه المساعي وهذه الجهود لم تحقّق نتيجة مؤثّرة. ولذلك يجب أن نحلّ المشكلة من جذورها، إذا فما هي المشكلة الأساسيّة ؟ وتحت عنوان "سُبل الحلّ" سوف نطّلع على أصل المشكلة وكيفية حلّها.

إنّ أصل المشكلة هي البعد عن أحكام الدين في حياتنا العامة والخاصّة، وحتى نتمكن من العيش طبقا لأحكام الدين بشكل صحيح يجب على كلّ فرد من أفراد المجتمع أن يخاف الله، فالله تعالى يقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" ( سورة الحشر، 18). فالإنسان الذي يخاف الله ويعلم أنه سيُسأل عن كلّ ما عمله في الدنيا لا يعامل النساء بعنف، بل يُعاملهنّ بالحُسنى. وهو يقدّر المرأة ليس لأنه مُجْبر على ذلك بل لأنّه يخاف الله فيها، فهو يتجنب إيذاءهنّ، ويتصرّف بضمير ويظهر معهنّ أجمل الأخلاق.

لا يقتصر الأمر على منع العنف الموجّه للمرأة، بل يجب تعويد المجتمع على حبّ المرأة واحترامها. ولا يكون هذا الأمر إلاّ بحبّ المرأة باعتبارها إحدى المُعجزات الإلهية. فالإنسان الذي ينظر إلى المرأة بهذه النّظرة يرى المزايا الجميلة في المرأة ويدرك قيمتَها ويقدّرها ويُكْرمُها، ويحميها دائمًا ويتصرّف معها برحمة وعدل.

يجب أن يفهم كلّ من تربّي على الخُرافات ويعتبرُ المرأة  نصف عاقلة، وأنها تستشار ليُعمل بعكس ما تشير به، وأنها كائنٌ خُلق حطبًا لجهنم؛ إن كلّ تلك الأفكار لا علاقة لها البتة بالإسلام ولا علاقة لها أبدًا بطبيعة المرأة، وقد بين الله تعالى ذلك في قوله: " وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا " ( النساء، 124).

ويجب أن نفهم أنّه في عصر المهدي عليه السلام سيتحقّق الجوّ الآمن الذي تنال فيه النّساء التقدير والحرّية والتنقّل براحة، فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يذكر في معنى حديث له أنّ الأمن سوف يعمّ وجه الأرض حتى إنّ النّساء يذهبن إلى الحجّ بكل راحة دون أن يرافقهنّ رجل.  (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر، ص 33).

 

في النهاية هناك واجبات تقع على عاتق النّساء وهي أنّه على المرأة أن تطوّر نفسها من جميع النّواحي، ويجب على المرأة أن وتهتمّ بكل  المجالات وتكون نشطة ومُبادرة ورائدة في كلّ  المجالات .

لقد وصلنا إلى نهاية حلقتنا من هذا البرنامج لهذا اليوم، دمتم في سعادة وهناء، وإلى اللّقاء في حلقة قادمة.