وجهة نظر -10- اسطنبول

مرحبا،  أهلاً بكم في برنامج "وِجهة نظـــر".

اليوم سوف نتحدث عن اسطنبول وأهمّية اِسطنبول في وقتنا الحاضر، هذه المدينة التي احتضنت أكبر الحضارات في العالم عبر آلاف السّنين، واحتضنت كذلك الميراث الثقافيّ العظيم لهذه الحضارات، ونتحدث عن الأهمّية التّاريخية لهذه المدينة وجمالها وشهرتها وعظمتها.

وجهة نظر: والآن يبدأ ملف اِسطنبول

مُلخّص حلقتنا لهذا اليوم على النّحو الآتي:

في البداية سوف نلقي نظرةً على التّاريخ القريب لمدينة اسطنبول، ونقدّم معلومات حول الحملات التي تمّ توجيهها إلى اسطنبول. إذا ألقينا نظرة على التّاريخ الإسلامي نلاحظ أنّ هذه المدينة كانت في جميع عهودها مدينة مقدّسة وذات شأن عظيم، وخصوصا منذ تم فتحها. ولهذا السّبب فسوف نتحدث باختصار عن فتح اسطنبول والمرحلة التي أعقبت ذلك الفتح، وفي الأخير نتناول مكانة اسطنبول وأهمّيتها في الدّين الإسلامي.

 ملخّص البرنامج:

  • الحملات الموجهة لاسطنبول
  • فتح اسطنبول
  • ما بعد فتح اسطنبول
  • مكانة اسطنبول وأهمّيتها في الدّين الإسلامي

الحملات الموجّهة لاسطنبول:

نظم المسلمون العرب في البداية، ثمّ بعد ذلك المُسلمون الأتراك على امتداد مئات السنين عدّة حمْلاتٍ على اسطنبول، وتم خلال بعض هذه الحمْلات مُحاصرة المَدينة، وأهمّ سبب دفع إلى تنظيم هذه الحملات وحثّ عليها هو الحديث الذي بشّر بأنّ اسطنبول سوف تُفتح:

 

"لتُفْتَحَنَّ القُسطَنطينيّة، فلَنِعمَ الأميرُ أميرُها ولَنعمَ الجَيش ذلكَ الجَيش".

كانت أول حملة من قبل المسلمين لفتح اسطنبول في عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه، وأول من أعد حملة بحرية هو والي سوريا في ذلك الوقت معاوية رضي الله عنه. وكان هذا الأسطول قد دمر القوات البحرية البيزنطية في السواحل الفينيقية في عام 655م، وبذلك فتح الطّريق البحري أمام المُسلمين.

أما أول حصار قام به المسلمون لاسطنبول فكان في عام 668م في عهد ابن الخليفة الأموي معاوية رضي الله عنه، غير أنه لم يتم الاستيلاء على المدينة. وبعد هذه الحملة قام الأسطول الأموي بدخول مرمرة مرة أخرى سنة 674م. وبعد 7 سنوات من الحصار فشلت المحاولة. وتمت محاصرة اسطنبول مرة أخرى سنة 717م بقيادة مَسْلمة بن عبد الملك، غير أنّ هذا الحصار انتهى بالفشل.

وكان آخر حصار للعرب خلال سنتي 781 -782م، وذلك بقيادة الجيش الذي بعثه الخليفة العبّاسي هارون الرّشيد. وقد تمكّن من هزيمة الجيش البِيزنطي في إِزْميدْ، وتقدّم إلى أن وصل إلى أُسْكُدار وحاصرها. غير أنّه في نهاية الحصار وقع على اتّفاق مع البيزنطيّين ثم عاد أدراجه. وبالإضافة إلى هذه الحملات التي قام بها العرب المسلمون، هناك حملات أخرى غير أنّ أيّا منها لم يُكلّل بالنّجاح.     

واهتم الأتراك العثمانيّون طوال القرن الرّابع عشر بالبيزنطيّين وباسطنبول. وقبل الفتح بمدّة طويلة كانت مدينة اسطنبول بتمامها، ما عدا المنطقة الواقعة داخل السّور أراضي عثمانيّة. وطوال هذه الفترة تدخّل العثمانيّون في الشؤون الداخليّة للبيزنطيّين، وأصبحوا طرفًا في الصراع على الحكم.

وابتداء من عام 1391م أصبحت اسطنبول تحت الحصار. وفي عام 1396م أقام بايزيد الأوّل  أسوار الأناضول في القسم الآسيوي من أجل الحيلولة دون وصول المساعدات من البحر الأسود. وقد جرت مناورات متواصلة في المناطق المجاورة لاسطنبول إلى حين تمّ الفتح. بيد أنّ اسطنبول لم تُفتح إلاّ عام 1453م. 

فتح اسطنبول

كان محمد الثّاني يعني، محمد الفاتح مُقرًّا العزم على فتح المدينة من أجل منع وصول المساعدات القادمة إلى بيزنطا من جهة الشمال منعا كاملاً. ومن أجل السيطرة على المضيق من جهتيه كليهِما، أنشأ في الجهة الأوروبّية سورًا عظيما ما يزال قائما حتّى اليوم. 

في الحقيقة إنّ السّلطان محمد الفاتح كان يعرفُ أنّ النبيّ عليه الصلاة والسّلام بشّر بأن المهدي عليه السّلام سوف يفتح اسطنبول في آخر الزمان، ولهذا السّبب ذكر بأنّ المهدي عليه السّلام سوف يفتح اسطنبول ولم يرد هو فتحها بنفسه. غير أنّ الشّيخ أق شمس الدّين أقنعه بعد أن قال له "انت سوف تفتح اسطنبول مادّيّا ويفتحها المهديّ معنويا".

وحتى يظهر حضرة المهدي عليه السلام كان لابد من فتح اسطنبول لأن خروج المهدي وظهوره مرتبط بمدينة اسطنبول، ولهذا السبب اتخذ السلطان محمد الفاتح القرار بفتحها.

بدأت التحضيرات من أجل فتح اسطنبول قبل عام من فتحها، وتم حشد مدافع ضخمة من أجل محاصرتها. وتم كذلك إعداد اسطول متكون من 16 قطعة بحرية، وتم مضاعفة أعداد الجنود. ويوم 2 أبريل شوهدت أولى طلائع القوات العثمانية على أبواب اسطنبول، وهكذا بدأ الحصار. واستمر هذا الحصار قرابة الشهرين. ويوم 29 مايو سنة 1453م بعد الظهر تم الاستيلاء على المدينة، ثم رُفع عنها الحصار بعد ذلك.  دخل السّلطان محمد  الفاتح المدينة من جهة طُوب قابِي، وتوجّه مُباشرة إلى آيا صوفيا، وفي ذلك الوقت كانت آيا صوفيا كنيسة فحوّلها إلى جامع. واعتبارًا من هذا التّاريخ أصبحت اِسطنبول مدينةً عثمانيّةً.     

وهذا الفتح كان نقطة تحول على المستوى التركي والإسلامي والعالمي. وكانت له نتائج كبيرة جدا، ولهذا السبب يعتبر فتح اسطنبول عاملاً مُهمّا في تأمين الوحدة التّركية في منطقة الأناضول. ولم يكن العثمانيّون قادة للأتراك الموجودين في الأناضول فحسب، بل كانوا كذلك قادة للعالم الإسلامي كلّه، وقد بدأت هذه القيادة على إثر الفتح مباشرة.

بعد الفتح تحوّلت الإمارة العثمانية إلى دولة عالميّة، إلى إمبراطورية. بعد الفتح أصبح الإسلامُ الذي يقود الدّولة العثمانيّة محرّكًا وفاعلا مهمّا في السّياسة العالميّة. وفي تلك المرحلة كان للمسلمين دورٌ مؤثّر في جميع التطوّرات التي يشهدها العالم في ذلك الوقت.

لقد سعت المسيحيّة الأوروبّية لمدّة ثلاثة قرون إلى إخراج الإسلام من آسيا عن طريق شنّ الحُروب الصّليبيّة. وكانت اسطنبول بالنّسبة إلى الصليبيّين في هذا الصّراع تعدّ مركزًا فاعلا ومتقدّما. وعلى إثر فتح اسطنبول تم الاعتراف بهيمنة الإسلام في آسيا من قبل العالم المسيحي. ولم تتمكن من تنظيم حملات صليبيّة من أجل استرجاع هذه الأراضي، وعلى العكس من ذلك توجّه الإسلام نحو أوروبّا. وكان فتح اِسطنبول نقطة بداية لسنوات طويلة من تفوّق المسلمين في مواجهة هذه القارة.

ما بعد فتح اسطنبول

 

وإثر الفتح مباشرة تمّ إحداث مناطق لإسكان النّاس فيها من أجل النّهوض بالمدينة. وفي البداية تمّ الشّروع في ترميم وإصلاح الأبنية والأسوار التي بقيت من القديم، وكذلك الآثار البيزنطيّة من العُهود المتأخرة. وقام العثمانيّون بتشييد بناياتهم على البنى والأُسس التي أُقيمت من قبل البيزنطيّين، وتمّ كذلك صيانة صهاريج المياه الكبيرة، وأصبحت اسطنبول عاصمة إمبراطوريّة بعد أن رَسمت عليها بصمتها المتميّزة. لقد أصبحت اسطنبول أكبر مدينة في أوروبا بعد 50 عامًا من فتحها.

ودخلت هذه المدينة القرن السّادس عشر كمدينة عظيمة، بيد أنّه بتاريخ 14 سبتمبر سنة 1509 م ضربها زلزال قويّ تسبّب في حصولِ أضرار كبيرة. ويعتقد أنّ قوّة الزلزال كانت 8 درجات، واستمرّت الهزّات  الارتدادية لمدة 45 يوما ممّا تسبّب في قتل الآلاف من النّاس وهدم الآلاف من البيوت.

وفي عام 1510 م استخدم السلطان بايزيد الثاني نحو 80 ألف شخص وأعاد بناء المدينة من جديد تقريبًا. ولهذا السّبب فأغلب الآثار التي وصلتنا اليوم تعود إلى هذه الفترة.

وبين عامي 1520 و 1566م كانت اسطنبول تُحكم من قبل السّلطان سليمان القانوني، وقد قام بتطوير المدينة من خلال التّخطيط البديع الذي طبقه في المدينة. وهناك آثار كثيرة بقيت من عهده إلى يومنا الحالي. وفي هذه الفترة تُوجد إنجازات عظيمة كلّ واحد منها أجمل من الآخر بتوقيع المعمار سنان المشهور. وعرفت اسطنبول في عهد القانوني نهضة حقيقيّة.

وفي عام 1894م تعرّضت اسطنبول مرّة أخرى لزلزال كبير أُطلق عليه اسم "زلزال عام 1310"، وبسببه تضرّرت المدينة أضرارًا فادحةً. وعقب الحرب العالميّة الأولى، وتحديدًا بتاريخ 13 نوفمبر سنة 1918م قامت أساطيل الدول الحليفة باحتلال اِسطنبول.

وخاض الغازي مصطفى كمال أتاتورك حرب التّحرير، وفي عام 1923م نالت تركيا استقلالها بزعامته، وبإعلان الجمهورية فقدت اسطنبول هويتها كعاصمة.  ومثلما هو معروف ففي بداية القرن السّادس عشر حملت الدّولة العثمانية لقب دولة الخلافة، بعد أن وضع السّلطان ياووز سليم نهاية للسّلطنة المَملوكيّة.

تم إلغاء الخلافة في بداية القرن الماضي بصفة رسميّة، ومنذ ذلك الوقت إلى اليوم لم تنتقل إلى أيّ مكان آخر، ولذلك فاسطنبول من هذه النّاحية تحتفظ بأهميّة كبيرة لأنها كانت المركز الأخير للخلافة. وإلى حدّ الآن مازالت تحمل هذا اللقب من النّاحية المعنويّة.

مكانة اسطنبول وأهميتها في الدين الإسلامي

قلنا في بداية البرنامج إنّ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام تحدّث عن اسطنبول في أحاديثه الشّريفة، وتوجد أحاديث كثيرة تشير إلى أنّ المهدي عليه السّلام سوف يظهر في بلادنا ويستأنف عودته من اسطنبول. فحضرة المهديّ عليه السّلام سوف يظهر بإذن الله في تركيا ويخوض صراعه الفكري من تركيا. وهذا الأمر يردُ في معنى الحديث الشّريف على النّحو التالي:

"المهدي لن يُغادر الرّوم ولن يغادر الأتراك".

(نقلا عن إسعاف الرّاغبين، مجموعة الطّلاسم، بديع الزّمان سعيد النّورسي، ص. 2/2).

إنّ السّبب في إطلاق اسم الرّوم على اسطنبول هو أن تركيا تسمى "ديار الرّوم". في الماضي ذكر بعض العلماء الأماكن التي سيخرج فيها حضرة المهدي عليه السلام، وذكروا مراكز الخلافة في زمانهم مثل العراق والشّام والكُوفة والمدينة.

غير أنّ الرّوايات التي تذكر أحداث آخر الزّمان تتّفق على أنّ مركز هذه الأحداث يكون في مركز آخر خلافة، ومثلما ذكرنا قبل قليل فهذه المدينة هي "اسطنبول".

وقد ذكر العالم الإسلامي الكبير ومجدّد القرن الثالث عشر الهجري أنّ حضرة المهدي عليه السّلام سوف يظهر في اِسطنبول، ويقول في مؤلّفه المسمّى "كلمات:

 

"إنّ السّبب والسرّ في اختلاف الرّوايات والأخبار المتعلقة بحضرة المهدي عليه السلام في وقتنا الحاضر هو: أن مفسّري الأحاديث قد شرحوا نصوص هذه الأحاديث حسب آرائهم وتصوراتهم،  فمثلا عندما كان مركز الخلافة في في ذلك الزّمان في الشّام أو في المدينة فإنّهم ظنّوا أنّ الحوادث المتعلقة بحضرة المهدي عليه السّلام سوف تتحقق في مناطق مثل البصرة أو الكوفة أو الشّام، وهم فسّروا الأحاديث على هذا النحو" (كلمات، ص. 359).

بمعنى أنّ حضرة المهديّ عليه السّلام لن يخرُج من مكّة أو المدينة أو الشّام أو البصرة مثلما قال ذلك بعض العلماء، وإنما سوف يخرج إن شاء الله تعالى من آخر مركز للعالم الإسلامي وهو اسطنبول.

 

وقد بشر نبيّنا عليه الصّلاة والسّلام بأنّ حضرة المهدي سوف يفتح اسطنبول فتحا معنويًّا:

 

وقد روى ابن عمران رضي الله عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذكر في معنى حديث له أن ثمة ستة أشياء لا تقوم الساعة حتّى تحدث، ومنها فتح المدينة. فسئل: أي مدينة؟ فقال: القسطنطينية (اسطنبول).     

(العلامة المدني محمد بن رسول الحسيني البرْزَنْجي، علامات القيامة، 204، راموز الحديث، 296).

روي نعيم بن حماد عن أبي جعفر قال:

"سوف يمنع الظلم ويأخذ على أيدي الظالمين،

وسوف يجعل الله فتح اسطنبول على يديه (معنويا)"

(العقيلي، النّجم الثّاقب في بيان أنّ المهديّ من أولاد

علي بن أبي طالب على التّمام والكمال).

 

أخبرت الأحاديث الشّريفة أنّ المهديّ عليه السّلام سوف يفتح اسطنبول معنويّا.

وعندما ينشر المهدي عليه السّلام الأخلاق الإسلامية في اسطنبول وفي العالم كله لن يستخدم أبدًا الإكراه في ذلك، غايته فقط إعلاء كلمة الله ونصرة دينه. وقد ورد في معاني الأحاديث أنّ المهديّ سوف يفتح اسطنبول معنويّا بالتكبير والتّسبيح.

 

ومنها أنه لا تقوم الساعة حتى يفتح الله عزّ وجلّ اسطنبول مركز،

رُوما على أيدي عباده المُؤمنين

( أحمد كمشخانوي، راموز الحديث، ص. 478).

"الله تعالى سوف يفتح القسطنطينيّة على أيدي أحبابه الذين يحبهم ... وسوف يرفعُ عنهم المرض والحزن" (علامات القيامة، ص. 181).

...سوف يخرج علماء كثيرون من بلدان مختلفة لا علم لأحد بالآخر، وينطلقون في البحث المهدي،وسوف يرافق كل واحد منهم نحو 310 أفراد. وفي النهاية يلتقون في مكة فيسأل بعضهم بعضا عن السبب الذي جاء بهم إلى هذا الموضع، فيجيبون جميعا: نبحث المهدي الذي يُخمد هذه الفتنة ويفتحُ اسطنبول، لأننّا نعرف أباه وأمّه وأسماء أفراد جيشه  "

(كتاب البُرهان في علامة المهديّ آخر الزمان، ص. 40).

إذا لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد فإن الله يُمدّ في طول ذلك اليوم حتى يخرج من نسلي في جبل الديلم (أو ولاية الديلم)  من يملك مدينة القسطنطينية. (كتاب البُرهان في علامة المهديّ آخر الزّمان، ص. 74).

مثلما هو معلوم فإنّ رايتين من رايات النّبيّ عليه الصلاة والسلام وسيفه وجبّته وأماناته المقدّسة الأخرى موجودة في اسطنبول، في قصر طوب قابي. وهذه الأمانات المقدسة ظلّت لسنين طويلة في حماية الشّعب التّركي. كما نعرف كذلك أنّ المهدي عليه السّلام سوف يظهر رفقة أمانات النّبي المقدّسة هذه، والآن لنطّلع على الأحاديث الدّالة على ذلك:

روى عبد الله بن سُرافة أنّ المهدي عليه السّلام يخرج ومعه راية النّبي عليه الصّلاة والسلام وهي مزينة. (كتاب البُرهان في علامة المهدي آخر الزمان، ص. 65).

عندما نأتي إلى العلامات؛ سوف يكون معه قميص رسول الله وسيفه ورايته. وهذه الراية لم تفتح منذ وفاة النّبيّ عليه الصلاة والسلام.

(علامات القيامة، ص. 164).

نلاحظ أنّ هناك ذكرًا في الحديث لراية لم تُفتح من قبل قطّ. وحسب المعلومات التي حصلنا عليها من هيئة الإشراف على قسم الأمانات المقدّسة فإنّه توجد رايتان في المتحف، واحدة من هاتين الرّايتين تمّت خياطتها في فترات لاحقة، وداخلها قطع من الرّاية القديمة. أمّا الرّاية الثّانية فبالرّغم من وجودها داخل المتحف فإنّها لم تُعرض أمام الجُمهور.

وهذه الرّاية هي الرّاية التي لم تُفتح منذ وفاة النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام قبل 1400 عام، وتمت المحافظة عليها منذ ذلك الوقت، وهذه الراية التي أشار إليها الحديث الشّريف محفوظة في الأمانات المقدّسة في متحف طوب قابي، وهي تنتظر أن تُفتح من قبل حضرة المهديّ عليه السّلام.

والآن لنمرّ إلى معنى حديث آخر:

عند فتح القسطنطينية (معنويا)، سوف يتمّ تثبيت راية عند وقت الوُضوء لصلاة الصُّبح، وسوف يُفرق الماء قسمين، وسوف يتباعدُ الماء عن بعضه البعض، وسوف يمرّ حضرة المهدي من المكان الذي ينشقّ عنه الماء، ويعبر إلى الجهة المقابلة. وبعد ذلك سوف يثبتُ رايةً أخرى ويقول: أيّها النّاس اعتبروا، فكما انشقّ البحر لبني إسرائيل فإنّه انشق لنا نحن كذلك. (القولُ المُختصر في علامة المهديّ المنتظر، ص. 57).

أشار هذا الحديث إلى أنّ المكان الذي يُوجد فيه حضرة المهدي عليه السّلام سوف يكون مليئا بالرّايات. واليوم نرى أنّ العلم التّركي يُرفرف في جميع جهات تركيا.

وأخيرًا أودّ الحديث عن الطّريق الذي ورد ذكره في الحديث، فهو إشارة إلى مشروع القرن، مشروع مَرْمَرَايْ.

أخبر النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام أنّ مَرْمرَاي سوف يُفتح في زمن المهديّ عليه السّلام.  

وهذه معجزة واضحة من معجزات النّبي عليه الصلاة والسلام. ولنتأمّل مرّة أخرى في أقسام الرواية التي عُرضتْ قبل قليل على الشّاشة:

سوف يتمّ تثبيت راية عند وقت الوُضوء لصلاة الصُّبح، وسوف يُفرق الماء قسمين، وسوف يتباعدُ الماء عن بعضه البعض، وسوف يمرّ حضرة المهدي من المكان الذي ينشقّ عنه الماء، ويعبر إلى الجهة المقابلة.

(القولُ المختصر في علامة المهدي المنتظر، ص. 57).

تُشير الرواية إلى الفتح المعنويّ لاسطنبول، بمعنى الزّمن الذي يكثر فيه الاشتغال بالعلم، ويكثر فيه بيان حقائق الإيمان ومعجزات القرآن، والجُهود التي تُبذل للقضاء على الدّاروينيّة. هذا بالضّبط العهد الذي أشار إليه الحديث، وعرفه النّبي عليه الصّلاة والسلام. ومثلما نبّه إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقد تم فتح طريق عظيم تحت البحر من أجل العبور من ضفة البحر إلى الضفة الأخرى، وقد سمّي هذا المشروع باسم "مَرْمَرَايْ".

ثم لنتأمّل الآن الرّويات الأخرى:

عند الوضوء لصلاة الصبح يثبت المهدي عليه السلام الراية بجانب البحر،

ويتباعدُ عنه الماء، ويعبرُ من المكان الذي يُفرق عنه الماء، ويَصيح في النّاس...

(علامات القيامة، ص181-182).

جاء في هذه الرواية "يتباعدُ عنه المَاء"

(الكتاب المختصر في علامة المهدي المنتظر، ص. 15-75).

فبسبب الطريق الذي يُفتع في البحر سوف يكون هناك مسافة بين الماء والطريق، هذا ما تشير إليه الرواية إن شاء الله تعالى.

ولننظر كذلك في الروايات الأُخرى التي تتحدّث عن الماء:

 

"...عند ظهور المهديّ عليه السّلام ...يُرسل طلاّبه إلى القسطنطينيّة (اسطنبول)، وعند وُصولهم إلى البحر يخُطّون شيئًا بأرجلهم ثمّ يَسبحون على الماء..."  (أحاديث عن المهدي عليه السلام مروية عن أحمد بن حوضة عن الناهوني عن عبد الله بن حماد الأنصاري عن محمد بن جعفر عن الإمام الصّادق، غيبة النّعماني).

 

"طلاب حضرة المهدي عليه السّلام سوف يمشون على الماء ..."

(مأخوذ من بصائر الدّرجات).

هنا أيضا يُفهم أنّ الطّريق الذي يمشي عليه النّاس سوف يكون فوقهم، بمعنى أنّ الطّريق الذي يتمّ إنجازه سوف يكون فوق النّاس، وأنّهم سوف يمشون في طريق تحت الماء. ولنرجع الآن إلى مشروع مَرْمَرَايْ، فطريق مَرْمَرَايْ يمرّ عبر بحر مرمرة، ويمرّ النّفق تحت الماء على عمق 60 مترًا. ومثلما ورد في الحديث فهو بعيد عن الماء...

اللهم يا من خلقتنا من العدم، ويا من أخبرت عن وجودك وعن محبتك لخلقك، نفتتح اليوم باسمك الرّحمن الرّحيم هذا المشروع الذي يربط بين القارّتين. اللهمّ، فلا تحرِم شعبَ اسطنبول العزيز من لطفك وعنايتك ورحمتك .

وعبارة "يخُطّون شيئًا بأرجلهم" مهمة جدّا وتثير الاهتمام. من خلال هذه العبارة نفهم أن الوسائل المستخدمة يتم تحريكها بواسطة الأرجل. والذين شهدوا حفل افتتاح مَرْمَرَايْ يعرفون جيّدًا أنّ هذا الحفل بدأ بالتكبير والدّعاء. والآن لنتابع معًا بعض المشاهد القصيرة من ذلك الحفل، ثم نمدكم بعد ذلك بالحديث في الموضوع.

 

"ثم إنّ المهدي يمرّ من الطريق المفتوح ويخطُب في النّاس: "أيّها النّاس اعبرُوا أنتم كذلك، فقد فرق الله لكم البحر مثلما فعل مع بني إسرائيل". ثم إنّهم سوف يَعبُرُون هم كذلك، ويُكبّرون".

(علامات القيامة، ص. 181-182). 

أشار الحديث إلى أنّ هذا الطّريق سوف يفتتح بالتّكبير وذكر الله تعالى، ونحن نرى أنّ هذا هو بالذّات ما حدث عند اِفتتاح مشروع مَرْمَرَايْ. والآن نواصل التأمل في الروايات الأخرى:

 

"... يعبر المهديّ وطلابه من هناك ويدخلون المدينة..."

(علامات القيامة، ص. 181).

أخبرت الرواية أنّ هذا الطّريق الذي يتم اِفتتاحه يُوصل مباشرة إلى المدينة. وهذا صحيح تمامًا، فطريق مَرْمَرَايْ لا يوجد به أيّ مُنعرج، وهو يُوصل إلى المدينة بشكل مستقيم تمامًا.

تحقُّق الرواية بشكل دقيق تمامًا يُعتبر معجزة كبيرة، وقد أخبر النّبي عليه الصّلاة والسّلام في حديث آخر أنّ هناك راياتٍ مرفوعةً في بداية الطّريق وفي نهايته.

 

".... يَغرزُ رايةً .... ثُمّ يغرِزُ رايةً أُخرى في النّهاية .."

(القولُ المختصر في علامة المهديّ المُنتظر، ص. 15-75).

مثلما تعرفُون كانت جميع الأماكن مزيّنةً بالأعلام في يوم الافتتاح، وهو يوم 29 أكتوبر. ولنتذكّر معًا ذلك اليوم. كلّ يوم يستخدم الآلاف من أهالي اسطنبول مترو مَرْمَرَايْ ويتنقّلون بين ضفّتي اسطنبول، ويذهبون إلى أعمالهم أو مدارسِهم. ويُخبر النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام كيف أنّ النّاس سوف يستخدمون هذا الطّريق فيقول في معنى أحد أحاديثه:

 

"ثمّ إنّ المهديّ يعبرُ من الطّريق المفتوح ويخطب في النّاس:

أيّها النّاس اُعبُروا أنتم كذلك، فيعبُرون هم أيضا..."

(علامات القيامة، ص. 181).

أخبرت الرّواية أنّه عند افتتاح الطّريق، سوف تكون هناك أعمال لتشييد جامعٍ:

"يعبرُ المهدي وطلاّبه من هناك ويدخُلون المدينة... ويبنُون الجوامع".

(علامات القيامة، ص. 181).

 

"يبني المهديّ عليه السّلام في القُسطنطينيّة [اسطنبول] وفي بلداتٍ أخرى كثيرة عدة جوامع". (علامات المهدي المنتظر؛ القول المختصر في علامة المهديّ المُنتظر، الجزء 2).

وفي الفترة الأخيرة تمّ في اسطنبول افتتاح مساجد كثيرة للعبادَة. ومثلما هو معلوم فإنّ الأشغال بدأت منذ فترة في بناء أكبر جامع باسطنبول في منطقة تشَاملِجا، وهناك جوامع أُخرى كثيرة بصدد الإنشاء في اسطنبول. وعند النّظر إلى صور محطّة مَرْمَرَايْ نُلاحظ وُجود جوامع في مداخلها.

وتُوجد تفاصيل مهمة جدّا في بقية الرواية التي قرأناها قبل قليل، ولننظر الآن في بقية الرّواية:

 

"ومن هناك [من الطّريق المفتُوح في البحر] يدخلون المدينة... ويبنون الجوامع. عندئذ سوف يخرج صوت يقول: بعدكُم سوف يخرجُ الدّجّال، ويكون بلاء على أطفالكم في الشّام"

(علامات القيامة، ص. 182).

ومثلما أخبرت الرواية، ففي أيامنا هذه هلك آلاف الأطفال في سوريا منذ أكثر من 3 سنوات بسبب نظام الأسد، ومازالت المذابح مستمرة. وأخيرًا نريد أن نضيف حديثا آخر، يُشير الحديث إلى أنّه عند إنشاء هذا الطّريق سوف يتم العثور على آثار نفيسة.

يقول النّبي عليه الصّلاة والسّلام في معنى حديثه :

 

"...سوف يتمّ استخراج كنوز متكوّنة من الذّهب ومجوهرات مُختلفةٍ، ويُنشؤون المَساجد..."

(علامات المهدي المنتظر، القول المختصر في علامة المهدي المنتظر، القسم الأول، ص.50).

عند إجراء الحفر في مشروع مَرْمَرَايْ تمّ العُثور على 35 ألف قطعة تاريخيّة و13 سفينة غارقة.

الخاتمة:

نحن باعتبارنا مُسلمين نثق في الله تعالى وقلوبنا متعلقة بالقرآن الكريم ونعتقد بصدق أن المهدي عليه السلام سوف يظهر في اسطنبول، ويفتحها فتحا معنويًّا.

ونحن نجتهد لكي نكون طلاّب المهديّ عليه السّلام الذي ينتظره النّاس بشوق منذ مئات السنين. وحسب أحاديث النّبيّ الكريم فإنّ المهديّ عليه السّلام قد ظهر في هذا الزّمان الذي نحن فيه. وهو الآن موجود في اسطنبول. والآن اسطنبول المُباركة تستعدّ لخروج حضرة المهدي عليه السلام، هذا الضّيف المبارك الذي يتم انتظاره منذ مئات السّنين.

قريبا جدّا سوف نشهد أيامًا رائعة وعظيمة جدّا، وظهور المهدي عليه السلام سوف يكون قريبًا جدّا، وسوف يكون ظهُوره سببا في انتشار أخلاق الإسلام في العالم كلّه، وانتشار السّلام والطمأنينة والسعادة. ينتظرُنا عصرٌ ذهبي بإذن الله.

وفي الأسبوع القادم نكون معكم بإذن الله تعالى في حلقة جديدة من برنامج "وجهة نظر" في أمان الله...