أسعد الله مساءكم ...
حلقتُنا لهذا المساء سوف تتناول جامع السّليمانية الذي بناه المعمار سنان، وهو يُعدّ من أشهر المهندسين في العالم...
تم إنشاء جامع السليمانية بأمر من السلطان سليمان القانوني، وهو يقف شامخا يزيّن مدينة اسطنبول منذ نحو 500 عام...
أُنشئ الجامع في الأصل باعتباره جزءً من كلّيّة السّليمانية التي تتكوّن من مدرسة معماريّة، ومكتبة، ومستشفى وأمارة وخزينة ومجموعة دكاكين...
منذ إنشاء الجامع إلى اليوم ضَرب اسطنبول أكثر من مائة زلزال، وبالرّغم من ذلك لم يحدُث في جدُرانه ولو تشقّق بسيط، ويقوم الجامع على أربعة أعمدة عظيمة.
يبلغ ارتفاع القبّة 53 مترًا، وقُطرها 26،5 مترا. ومن أبرز خصائص الجامِع المعماريّة احتواؤه على ممر للهواء يقوم بتنظيف دخان أو سُخام القناديل. ففي تلك الأعوام التي لم تكن فيها الكهرباء متوفرة كان يتمّ إنارة الجَامع بـ275 قنديلاً ضخمًا.
قام المهندس الشهير بإنشاء غرفة صغيرة فوق الباب الأوسط من الجامع لكي لا يتسبّب الدّخان الذي يخرج من القناديل في إلحاق الضّرر بالجامع وإزعاج المصلّين، فالأدخنة التي تدخل من الفتحات المنتشرة في زوايا الجامع المختلفة تتجمّع في هذه الغرفة.
ويطلق على هذه الغرفة اسم "غرفة السّخام"، وداخل هذه الغرفة أنشأ المعمار العظيم نظامًا للتهوئة خاصّا. ومن هذا السّخام المتجمّع في الغرفة يتمّ صناعة أجود أنواع الحبر في ذلك الوقت. وما ترونه اليوم من خُطوط على الجدران، ومن كتابات، ومن زينة رائعةٍ أُنجزت بذلك الحِبر الذي صُنع من السّخام المتجمّع في الغرفة الصّغيرة بالجامع.
هذه الغرفة تعمل على تجميع السّخام من داخل الجامع، وتُساهم في تحريك التّيار الهوائي، وعند النظر إلى الجامع من خلال فَتحتين في الغرفة نرى لوحتيْن عظيمتين كتب في الأولى اسم "الله" وكتب في الثانية اسم"محمّد".
يوجد في جامع السّليمانيّة 4 منارات، والسبب في ذلك هو أنّ القانوني هو السّلطان الرابع بعد فتح اسطنبول. وبالنسبة إلى الشّرفات العشر الموجودة في المنارات الأربع فهي تشير إلى أنّ القانوني هو السّلطان العاشر منذ تأسيس الدّولة العُثمانية.
وفي ناحية القبلة من الجامع، تُوجد حضيرة، بمعنى مقبرة صغيرة للسّلطان سُليمان القانوني وزوجته خُرّم سُلطان. وبالنّسبة إلى قبّة ضريح السلطان سُليمان القانوني فقد زُيّنت الألماس لتعكس مشهدًا يصوّر سماءً مرصّعة بالنّجوم.
المعمار سنان وهو يبني الجامع أَولى موضوع سماع الصّوت بشكل واضح أهمّية كبيرة جدًّا، فقد اجتهد في إيصال الصّوت إلى كلّ زاوية في هذا المجال الواسع من الجامع. وقد استخدم لنشر الصّوت تقنية مازالت إلى حدّ اليوم تُثير الدّهشة.
من أجل تحقيق هذه الغاية جعل المعمار سنان جميع القباب في شكل قبّة مُزدوجةٍ. وبالإضافة إلى ذلك ركّز باتجاه القبة العظيمة الواقعة في الوسط مكعّبات يَصل عُمقها إلى 50 مترًا، وفتحتُها إلى 5 أمتار.
كما أنه وضع من هذه الأشكال في زوايا القباب وتحت المُقرنصات، وبالإضافة إلى ذلك ترك في لبنات قاعة المسجد فراغات لكي تعكس الصّوت. وبفضل ذلك يتميّز جامع السليمانية بنظام صوتيّ خارقٍ.
والآن، بعد أن شَرحنا الآثار العثمانية العظيمة، وتاريخنا المَجيد لنتحدّث الآن قليلاً عمّا ينتظرنا في المستقبل من نور، ولنتطرّق إلى بشائر حضرة نبيّنا عليه الصّلاة والسّلام في آخر الزّمان...
فقد أورد النبي صلى الله عليه وسلم معلومات مهمّة بخصوص حضرة المهدي عليه السّلام، ومن بين هذه المعلومات أنّ المهدي عليه السلام لن يعترف بادعاءات كونه هو المهدي. ووفقا لما جاء في الأحاديث النبويّة فسوف يُقال للمهدي باستمرار إنّه هو المهدي وإنّ العلامات موجودة عنده، لكنّه يُصرّ باستمرار على عدم الاعترف بهذه الادّعاءات.
جاء في الأحاديث أن المهديّ عليه السلام لن يزعم أنّه هو المهدي، وبالرغم من كونه لا يرغبُ في ذلك فإن النّاس يُبايعونه، ويشيرون إليه بقولهم "أنت حَضرة المهدي"، لكنّه لا يقبل بذلك. (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر، ص. 40).
وفي حديث آخر للنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام يبيّن أنّ النّاس سوف يعرفون اسمه واسم أبيه، ويعرفون العلامات التي عنده، غير أنّ المهدي عليه السلام لن يقرّ ولن يعترف بهَا. (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر، ص. 40).
أجل، بل إنّه وفقا لما جاء في الأحاديث سوف يتجمّع المُسلمون ويصرّون على حضرة المهدي لكي يقبل القيام بمهمة المهديّ، ويحمّلونه مسؤوليّة الدّفاع عنهم وحمايتهم في مُواجهة الدّجل وظلم الكفر والإلحاد، ويحمّلونه كذلك تبعَات أخطائهم ودمائهم. وعلى إثر ذلك يقبلُ المهدي القيادة المعنويّة (حتّى لا يتحمل المسؤولية المعنويّة). (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر، ص. 40).
وجاء في حديث آخر للنّبي عليه الصلاة والسلام أنّ المهديّ عليه السلام لن يقبل بالقيادة إلاّ إذا أُكره على ذلك . (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر، ص. 48).
وجاء في معنى حديث آخر أنّ النّاس في الأخير سوف يأتُون إلى المهديّ.، وبالرّغم من كَراهته فإنّهم سوف يُبايعونه. (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر، ص. 31).
جميع هذه الأحاديث تبيّن مرّة أخرى أنّ حضرة المهدي عليه السلام لن يعرض نفسه على الإطلاق في هذه المهمّة. وقد بينّا في حلقاتنا الأخرى أنّ مقام المهدي ليس تشريفًا، فهو تكليف وقَدرٌ من الله تعالى، ومن يُكلّفه بذلك يتحمّل المسؤولية.
وبإذن الله عندما يتأسس الإتحاد الإسلامي، وتعمّ الأخلاق الإسلامية جميع أنحاء العالم، وعندما يتفق العالم الإسلامي كلّه على إسناد القيادة المعنويّة للمسلمين فحينئذ يظهر المهدي عليه السّلام.
في حلقتنا لهذا المساء من برنامجنا تجوّلنا في مكان بديع كما هو الشأن كلّ مساء، وتحدثنا عن تاريخنا وأوردنا البشائر الجميلة التي تنتظرنا، وبذلك وصلنا إلى ختام البرنامج.
نرجو لجميع الإخوة والأخوات ليلة سعيدةً.