أفغانستان: شتاء الإسلام وربيعه المنتظر
كانت أفغانستان طوال التّاريخ ممرًّا وطريقًا لفتوح العديد من الإمبراطوريات، فهي دولة اضطربت منذ قرون طويلة بالحروب والغزوات، وعاصمتها كابول، ويبلغ تعداد سكانها 29 مليونا و82 ألف نسمة.
صادف ظهور الدّولة على ساحة التّاريخ سنة خمسمائة قبل الميلاد ، فالدّولة التي وقعت تحت الاحتلال لأوّل مرة من قبل ملك الفُرس في هذا العصر قد دخلت تحت حكم إمبراطورية الإسكندر بعد حملة الشّرق المشهورة التي شنّها الإسكندر الأكبر.
وبعدما سقطت إمبراطورية الإسكندر الأكبر ظلت أفغانستان ساحة للعديد من الحُروب بين مختلف الدول، وعقب سنة خمسين بعد الميلاد دخلت في حدود دولة الإسكيت تركيّة الأصل، وهذه المنطقة التي دخلت تحت حكم العديد من الدّول التركيّة قد تشرّفت بالدخول في الإسلام سنة 750 ميلاديّة.
وبعدما استقرت الحضارة الإسلامية في أفغانستان لعبت الدّول التركيّة الإسلامية الكبرى مثل الدولة الغزنويّة وإمبراطورية السّلاجقة العظام والخورازمية دورًا مؤثرًا في الساحة السياسيّة في أراضي أفغانستان .
وعقب ذلك بدأ اجتياح المغول، واستمر حكم المغول للمنطقة حتى القّرن السّادس عشر الميلادي، وعلى إثر دخول المغول في الإسلام حكم دولة أفغانستان آل بابور الذين يُعتبرون ورثةَ المغول .
كانت أفغانستان شأنها شأن أغلب دول العالم الإسلام قد عرفت الاحتلال من قبل الدّول الاستعمارية في القرن الثّامن عشر، وبسبب مشكلة بيشاور بين شمال الهند وأفغانستان بدأ الإنجليز -الذين كانوا يديرون الأمور بين البلدين - في التغلغل في المنطقة شيئًا فشيئًا.
وفي عام 1839م اندلعت الحرب الأفغانية – الإنجليزية ، ونتيجة لحركة الكفاح التي قام بها دوست محمد حاكم أفغانستان تمكن من توحيد البلاد مرة أخرى رغمًا عن الإنجليز، ولكن طبول الحرب قد قُرعت مرّة أخرى باحتلال روسيا القيصريّة لأفغانستان سنة 1868م .
وبعد حوالي ثلاثين سنة من الحرب الأفغانية – الإنجليزية الثانية ظلت البلاد خرابًا وتشتّتت وحداتها العسكرية الموجودة في الداخل لدرجة استحالة لمّ شملها مرّة أخرى .
وعقب الحرب الأفغانيّة -الإنجليزية الثالثة سنة 1919 م أعلنت أفغانستان استقلالها، وأعلن أمان الله خان نفسه ملكًا على أفغانستان سنة 1962م وبدأت الدّولة تحكم بنظام ملكي، ولما ثار الشّعب على التعديلات التي بدأ في القيام بها اضطرّ إلى مغادرة البلاد سنة 1929م.
قام ظاهر شاه الذي تولّى الحكم بعد أمان الله خان بالتّلطيف نسبيّا من النظام الملكيّ وتحولت البلاد إلى نظام السّلطنة ، ولقد غيّر كثيرًا من أساليب الأحكام العرفية في البلاد إلى درجة أنّ تحقيق اتحاد الدّولة في هذا المناخ أضحى مستحيلاً. قام الجنرال محمد داود بانقلاب عسكريّ سنة 1953م وأصبح رئيسًا للوزراء بعد هذا الانقلاب، وفي هذه الفترة وقّعت أفغانستان أوّل اتفاقية تعاون مع الاتحاد السوفيتي، وبعد عشر سنوات أُجبر محمد داود على الاستقالة وعُزل من الحُكم وتمّ الانتقال إلى نظام الحكم الدستوريّ.
وقام الجنرال داود بانقلاب عسكريّ آخر سنة 1973م واستولى على الحكم مرّة أخرى، واستمرّ داود في الحكم حتى سنة 1978م، وعزل وقتل في هذه السّنة من قبل حزب الشّعب الدّيموقراطي ذي التّوجه اليساريّ.
ولكن الأطراف التي قامت بالانقلاب بدأت تتصارع بين بعضها البعض، ودخلت البلاد في حالة فوضى كبيرة، وتشتت الجيش الأفغاني في الحروب الدّاخلية التى اِستمرّت حتى سنة 1979م، ولم يتمكن من قمع الثّورات في القطاع الرّيفي.
جلس على كرسي الرئاسة أمين الذي انتصر في الصّراع القائم بين الجماعات اليسارية الموجودة في الحكم بعد انقلاب عام 1980م ، ولكن تولي أمين الرئاسة أقلق الاتّحاد السوفيتي، وعلى إثر ذلك بدأ الاتّحاد السوفيتي في احتلال أفغانستان، وهذا الحدث يعدّ واحدًا من أهم الأحداث في التّاريخ المعاصر. وكان أهمّ منافس لأمين هو بَبْرَكْ كمال أحد قادة الجناح الشيوعيّ، وقد وصل بَبْرك كمال إلى الحكم في العام نفسه بدعمٍ من القوات السّوفيتيّة.
كانت فترة الاحتلال السّوفيتي لأفغانستان فترة آلام كبرى، وكان أوّل عمل للحكومة الأفغانية التي تأتمر بأوامر السوفييت هو قمع المُتديّنين.
فمنعت حلقات القرآن الكريم في الميادين العامة، واعتقلت الأئمّة وقامت بتصفيتهم ، وقتلت مائة وثلاثين رجلاً من سلالة واحدة من عشيرة المجدّدين التي تكوّن واحدة من المجموعات الدّينية المؤثرة بين الشّيعة من السّكان في ليلة 6 أكتوبر 1979م، ومنعت أداء العبادات على كلّ منتسبي المذاهب والأديان.
وبعد ذلك فذت الحكومة العديد من المذابح ، ومن أشهر هذه المذابح تلك التي قامت بها في قرية " قراله" في "مارتين" سنة 1979م ، فقد تم جمع كلّ الذكور الموجودين في هذه القرية البالغ عددهم 1700 رجل في ميدان عام وتمّ قتلهم جميعا بالأسلحة الأتُوماتيكية من مسافة قريبة،
وتمّ تحويل سجن بُوله تْشَاجي إلى مخيّم لتجميع الأفغان، ويذكر الكاتب ميشيل باري في كتابه "صمُود الأفغان" بعض المُمارسات البشعة لمدير هذا السّجن فيقول:
" كان التعذيب أسهل وسيلة في الإدارة، وكان أكبر عقاب في هذا السّجن هو رمي السّجين حيًّا في حفرة الألغام ، في ليلة واحدة أعدم عشرات المساجين لمئات الأسباب، ودفن الأحياء مع الجثث فوق بعضهم البعض بالبلدُوزر، وتمّ من جديد تطبيق أساليب التعذيب ذاتها التي كان ستالين يستخدمها ضدّ المحكومين.
وفي 15 أغسطس سنة 1979م تم القبض على ثلاثمائة شخص من الخزر بتهمة دعم المقاومة والثورة، ودُفن منهم مائة وخمسون شخصًا بالبلدوزرات، أما المائة وخمسون الآخرون فسُكب عليهم البنزين وأُحرقوا أحياء. ومن المعروف أنّ إدارة السّجن في سبتمبر عام 1979م قد قتلت اثني عشر ألف سجين، وكان بُولْ تَشارْكي مدير السّجن يقول لسامعيه: "سنترك فقط مليون أفغانيّ أحياء، وهؤلاء يكفون لتأسيس الشّيوعيّة".
وبدأت مقاومة المجاهدين ضدّ الاحتلال السوفيتي بتأييد من الولايات المتّحدة الأمريكية ، وظلّ الجيش الأحمر كقوة محتلة في أفغانستان لمدّة عشر سنوات متواصلة، وعمل الجيش الرّوسي الأحمر على قمع حركة المُقاومة التي بدأتها المجموعات الجهادية ضدّه مستخدمًا أشدّ وأعنف الأساليب.
فقد صنعوا ألغامًا على شكل لُعب أطفال فيظنّها الأطفال الأفغان ألعابًا فتقتلهم، ولقد طبقت أساليب مخيفة لتعذيب المُجاهدين الذين وقعوا في قبضتهم. وكانوا يَقذفون المدنيين بالقنابل بلا أدنى تردّد ، وكانوا يفضّلون قصف القرى وارتكاب المجازر والمذابح بدلاً من ملاحقة المذنبين فردًا فردًا.
وتُعدّ المَجازر التي تسبّبها الألغام من بين الأعمال الأكثر وحشيّة من قبل الرّوس، فقد مُسحت من على الخريطة كلّ القرى الجميلة الواقعة في شمال شرق كابول ، وقُتل كلّ سكانها تقريبًا، و في منطقة قارجه فقط قتل ما يزيد على ألف وخمسمائة شخص أغلبهم من النّساء والأطفال.
وَعقب كلّ هذه المُمارسات البشعة هُزم السّوفييت في أفغانستان واضطرّوا إلى الانسحاب سنة 1989م . وهذه الاضطرابات الدّاخلية التى استمرت حتى سنة 1996م انتهت نسبيًّا بتولّي طالبان حكم البلاد.
ولكن بعد الهجمات الإرهابيّة التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية في 11 سبتمبر 2000م أصبح تنظيم القاعدة الذي يقوم بعمليات التّدريب في البلاد بدعم من حكومة طالبان في أفغانستان هدفًا للولايات المتّحدة الأمريكيّة. وفي أكتوبر من العام نفسه احتلتّ الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان، وفي فترة قصيرة سقطت العاصمة كابول بدعم من المُعارضين لطالبان ، وبدأت طالبان حرب عصابات سوف تستمر لسنوات لاحقة.
خلال عدّة سنوات أصبح حميد قرضاي رئيسًا لأفغانستان بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، ولكن الاضطرابات الداخلية والمذابح ستستمر بشدة من سنة 2001 م حتى اليوم.
ومن المعروف أنّه خلال الأربعة شهور الأولى من الاحتلال الأمريكي لأفغانستان فقد عشرون ألف مدني حياتهم، وقد زاد هذا الرّقم في السّنوات التالية بسبب سياسة العنف التي انتهجتها طالبان على المدنيّين، وحتّى الآن كثيرا ما يمُوت المدنيون بفعل قذائف الطّائرات بدون طيار. ويسعى ملايين الأفغان للحفاظ على حياتهم في مخيّمات اللاّجئين في ظروف صعبة للغاية، وهم يعيشون تحت خط الفقر.
وطبقا للتّقرير الذي أعدّته لجنة المساعدات التّابعة للأمم المتحدة في أفغانستان، فقد وصل عدد المفقودين من المدنيّين سنة 2009م إلى حوالي 2500 شخص، أمّا في سنة 2010 م و سنة 2011م فقد زاد هذا العدد عن ثلاثة آلاف شخص.
وطبقا لهذا التّقرير زاد عدد القتلى بنسبة ثمانية في المائة في سنة 2011م عن العام السّابق، والسّبب في 77 بالمائة من هذه الزيادة يرجع إلى ممارسات مقاتلي طالبان لأنّهم يستخدمون الكثير من المتفجّرات في الهجمات، كما أنّ الكثير من النّاس يُقتلون بسبب العمليّات الانتحاريّة.
لقد بينّا لكم في ما سبق أنّ القمع والمظالم والمجازر التى اِستمرت انطلاقا من القرن الثامن عشر كانت سببًا في إعاقة تحقيق الاتّحاد العالم الإسلامي، وفي أغلب الأحيان تدخل الدّول الإسلامية في صراعات بين بعضها البعض، حتّى إنّها تحشد القوات لمحاربة بعضها البعض متناسية قول الرّسول صلى الله عليه وسلم "المُسلم أخو المُسلم".
والحال أنّ أوامر القُــرآن الكريم ورسولنا الكريم تأمرُ المسلمين بالاتّحاد في كل مكان يصل إليه نور الإسلام، كما تأمر المسلمين وكلّ البشريّة بالعيش في سلام ومودة ، وتمنع جميع أنواع الخلافات والفتن والمظالم.
يقول الله عزّ وجلّ، أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم
"وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ"
( سورة يونس، 19).
فمنع الفتنة والاختلاف كما أوصى بذلك القُرآن الكريم هو الدّواء الشافي لأدواء العالم الإسلامي.
فعلى البشريّة جمعاء من مسلمين وغير مسلمين، وكل من يُعاني من الظلم والقمع السّعي لتأسيس الاتحاد الإسلامي في أقرب وقت لأنّ هذا هو أمر الله ونصيحة رسوله صلى الله عليه وسلم ، يقول المولى عزّ وجلّ أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم
"وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ " ( سورة آل عمران، 105).
ويقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم " تصافحوا يذهب الغل ، وتهادوا تحابوا وتذهب الشّحناء " (الموطّأ، حسن الخلق 16 ، ( 2، 908).
وشك أنّ خلاص العالم الإسلامي سيكون بالمهديّ، أي باتّحاد العالم الإسلامي، فكلّ المسلمين الذين استناروا بأخلاق القرآن الكريم سيجدون الأمان والسّلام تحت راية الاتّحاد الإسلامي.