3- على طريق العلم البنية الرائعة للحمض النووي DNA

موضوعنا هذا الأسبوع عن الحمض النووى الذي يعد جزيئا مهما جدا . فهو يشكل المادة الوراثية للكائنات الحية. وقد أحدثت هذه المادة اختلالا كبيرا في  نظرية التطور من جذورها.  وكان القرن 21 مسرحا كبيرا للاختراعات العظيمة، ولعب دورا أساسيا فى تطوير علم الوراثه. واليوم نحن نقوم بتقديم تعريف لماهية جزيء الحمض النووى الذى يشكل أساس علم الوراثه.

القسم الاول

يعتبر  العالم جريجور مندل أول من وضع اللبنات الأولى لعلم الوراثة فى العالم سنة 1865، وذلك من خلال إجراء تجارب على البازلاء، ووضع قوانين حولها. فمنذ العام 1950 الى حدود 1970 لم يكن معروفا أن الجزىء المدعم لقوانين الوراثه أربعه أحرف من الحروف الابجديه وهى ( الحمض النووى)، ولم يكن لداروين أيضا يعرف أى شىء عن مسألة الحمض النووي، ولكن شهدت علوم الوراثة تطورا كبيرا مع مرور السنين، فإلى حدود عام 1953 لم يكن أحد يعرف  الشكل الثلاثى الأبعاد للحمض النووى، وكيف يكون جزيئا داخل نواة الخلية، غير أنه في سنة 1953 تمكن واستون كريك من اكتشاف الشكل الحلزونى الذى يربط الجزىء  ببعضه البعض،  وقام بتشكيل الحروف المقابلة له معنويا.

 

 ويمكننا أن نقول هذا بأرقام اليوم أنه يتشكل تقريبا من 3.2 مليون حرف، الشيء ساعد على فتح الأبواب على عالم الوراثة بالنسبة إلينا.  

ويعتبر العام 1953  مهم جدا فى هذا المضمار.

فابتداء من هذا العام شهد علم الوراثه تطورا ملحوظا، وقد تأكد أكثر مع تطور المجهر الالكترونى الذي بدا معه ما بداخل نواه الخليه واضحا بشكل جلي. وقد نجح عالمان إيطاليان فى تصوير الحمض النووى ثلاثى الابعاد. وها أنا الآنأوضح لكم هذه الصوره عبر شاشتنا شاشتنا . فكما ترون مثلما قال واطسون إنه شكل حلزرونى ومطوية معا شبيه بهيكل السكة الحديدية.

في الحقيقة يوجد على هذه البنية شفرة خاصة جدا مثل مشفر وضع عليه بُنىَ وحروف.  ويوجد في جميع الكائنات الحية نفس الشفرة، ونفس اللغة، ونفس الحروف، ونفس الكلمات. وهذا يعني أن  الحمض النووى فى الكائنات ذات الخلية الواحدة تتحدث بنفس اللغة ، كما أننا نجد في خلايا الكائنات الحية ذات الخلايا المتعدة والنبات والطيور التي تطير في الجو لها نفس لغة الحمض النووى، ونفس الحروف، وبأي الكلمات تم ترتيبها بشكل متتال. وتعد هذه معجزة بالغة الأهمية.

هناك أربعة حروف   وهي موجودة كما لو انها حبات خرز أضيفت داخل خلية ثلاثية الأبعاد مثلما بينا قبل في جميع هذه الحروف الأبجدية. فعند قراءة هذه الجزيئات ثلاثية الأبعاد في كل كائن حي تكون مختلفة في جميع البروتينات التي تظهر لنا، كما انها تظهر لنا بخصائص مختلفة تماما.

بعضهم لديه القدرة على رؤية الأشعة  ما فوق البنفسجية, وهناك من عنده السونار, وبعضهم يستطيع الطيران فى الهواء لكيلومترات , وبعضهم من لديه القدرة على الرؤية على بعد  عدةكيلومترات . وهناك في الناس من لديه ذكاء حاد يستطيع أن يتعلم بسرعة شيئا جديدا ويجري عليه أبحاث ويصبح من العلماء، كما أن نجد سلحفاه حديثة الولادة تستطيع الهجرة فى المحيطات بين القارات وكذلك نفس الشيء بالنسبة إلى الحيتان. كذلك نجد النباتات التي تتلقى النور من الشمس وتستطيع انتاج الطاقة لنا.

توجد في أجسام الكائنات الحية وظائف عديدة يمكنها أن تستمر لعدة سنوات طويلة، وتتكون هذه الوظائف جراء هذه الحروف الأربعة التي  تعد شيئا أنتجه الحمض النووي كخاصية فيزيولوجية خاصة جدا في تلك الكائنات الحية مثل القدرة على الطيران مثلا. 

نحن نرى جيدا الأهمية الكبرى للبروتينات هنا، ويمكننا أن ننقدم لكم من جسم الانسان مثالا حيا يتمثل في الأسولين الذي نستطيع أن نقول إنه يعتبر  إدارة المراقبة أو محطة الجمارك أو القنوات الموجودة في الحجرة ، بمعنى يمثل القنوات الغشائية التي تراقب كل المداخل والمخارج من وإلى داخل الخلية أو الأجسام المضادة التي تشكل أساس نظام جهاز المناعة.

فجميعها تكون بواسطة البروتينات التى تؤدى كل هذه المهام. فنحن مثلا نرى ونقول نفس الشي بالنسبة إلى جميع هذه الكائنات الحية. ونحن عندما ننظر و نقول إننا رأينا مكانا ما فهذا يعني أن جميع هذه الأعمال تم القيام بها من قبل البروتينات ابتداء من تحويل الأشعة الموجودة هناك إلى إشارة كهربائية في العين إلى حدود إرسالها إلى مركز البصر الموجود في الذهن.

فنحن حينما نرى تكون رؤيتنا هذه بواسطة البروتينات، ولكن يجب أن لا ننسى أين تكمن معلومات البروتينات؟ هي مخفية في الحروف الموجودة داخل الجينات بداخل نواة الخلية التي يطلق عليها اسم الحمض النووي. نحن مثلا نتكلم ونسمع، حيث تتم عملية سماعنا بواسطة ردات الفعل للبروتينات الموجودة في حجم واحدة من مليون مم توجد داخل خلايا جهاز الاستقبال في بنية البروتين الذي سيفهم بنفس الشكل عملية السمع خصوصا تلك الاهتزازات الموجودة في الأذن. كما أننا نمشي بنفس الشكل، و كذلك يتشكل النظام العضلي والهيكل بنفس الشكل العظمي، وبنفس الشكل أيضا نأكل ونلمس ونشم . وخلاصة القول جميع حواسنا وكل الوظائف الفيزيولوجية تتكون من البروتين.

وهذا نفس الشيء  فى كل الكائنات الحية.

هذا هو إذن علم الوراثة بمعنى الأعمال التي تقوم بالتخطيط لجميع أجسام تلك الكائنات الحية. وبإمكاننا أن نفهم هندسة تلك الكائنات بشكل تتم فيه جميع الوظائف بوساطة البروتينات التي تم تشفيرها في الحمض النووي كما يمكنني القول إنه تبدو لنا أنه تم تصميمها. 

فالمشروع إذن هو الحمض النووى الذي يعمل تماما مثل  برامج الكمبيوتر أو الهندسه المعمارية. أي أن هناك أزرارا للفتح و أزرارا للغلق، وهي الأدوات الضرورية والمطلوبة هنا. أي محدد لها في أي يوم، وفي أي تاريخ، وإلى أين ستذهب، وهذا هو المعدل المثالي. إذن نحن أمام مشروع يعرف دائما ما الذي يجب أن يقوم به في حالة الزيادة أو النقصان وبواسطة نظام مراقبة دائم ونظام فتح وغلق بشكل وظيفي جدا مثل تشغيل هذا الرمز في حالة نقصان هذه المواد أو تشغيل بقية الرموز في حالة زيادة هذه المواد. هذا هو إذن الحامض النووي( DNA ).

أود أن أقدم مثالا من جسم الانسان يبرز لنا مدى حساسية الحمض النووي، انظروا هذه معلومة خاصة حيث نجد أن كل ثلاثة حروف في الحمض النووي من البقايا الأمينية يتم تشفيرها.

يتم في كل حمض أميني تشكيل واحدة من كتل بنية البروتين، فهي تشبه تشكيل واحدة من لبنات أي بناء . فالأنسولين مثلا موجود في كل الكائنات الحية لأنه ينظم لها السكر في الدم ويحافظ على بقاء السكر في الدم بمستوى ثابت، وكذلك بالنسبة للإنسان يجب أن يبقى السكر في دمه بمستوى ثابت.  

يقوم الأنسولين بتخفيض نسبة السكر في حالة زيادة معدله في الجسم، ويتم توفير الأنسولين من قبل خلايا بيتا في البنكرياس، وهو عبارة عن جزيء خاص وثلاثي الأبعاد يتكون من سلسلسة بيتا وألفا في سلسلسة 51 من الاحماض الأمينية. والآن يجب يكون أن هذا الجزيء 51 حامضا أمينيا فقط وليس  50 أو 52 حامضا أمينيا.

يجب أن يكون هناك  تسلسلا واضحا لهذا 51 الحامض الأميني. أنا الان أقوم بإظهارها لكم في الشاشة. يجب أن يتوفر لبروتين الأنسولين الذي تكون بواسطة تسلسل هذا لحامض الأميني بروتين جهاز استقبال يستطيع أن يدركه.  لأننا سنفهم من خلاله ماهو الأنسولين في الدم ومافوائده ومن أين جاء وماالذي يجب أن يفعله ؟ ونحن نستطيع معرفة هذا بواسطة البروتين الخاص الذي يسمى جهاز استقبال يعرف ماهو الأنسولين. 

نعود من جديد غلى مسألة التشفير في الحمض النووي في البروتينات. يتكون مستقبل الأنسولين في سلاسل بيتا وألفا. تتشكل سلسلة ألفا من 720 حامضا أمينيا، في حين تتشكل سلسلة بيتا من 620 حامضا أمينيا. انظروا ، نرى أن هناك بنية خاصة جدا هنا. ويمكننا القول إن البروتين لا يتم تشفيره فقط من الجين وإنما هو عبارة عن آلة تقوم بعدة أعمال معقدة.  

تتكون هذه الآلة من عدة قطع، ويوجد لكل قطعة معلومة في منطقة خاصة من الحامض النووي. أنا الآن لا أتحدث فقط عن منطقة جهاز الاستقبال الذي يعرف الأنسولين من هذه المناطق. يتم تركيب جهاز الاستقبال هذا في مناطق مختلفة من الحمض النووي ويبدأ في تنفيذ مهمته بعد أن تتوحد البروتينات المنفصلة وتشكل بنية بروتين معقدة.  

هذا رسم لجهاز استقبال الأنسولين.  فعندما يدرك جهاز الاستقبال هذا الأنسولين ينقل السكر إلى داخل الخلية ويقوم بضبط السكر في الدم. وبهذا الشكل فقط يمكننا أن نبقى على قيد الحياة. هذا شيء ضروري جدا بالنسبة إلى توازن السكر.