سر الحديد

دعونا نفكر في تلك المنتجات الحديثة التي نستخدمها كالسيارات وأجهزة الكمبيوتر والتلفاز، الأفران الموجودة في منازلنا وكذلك أجهزة التليفون، كل هذه الأشياء مصنوعة من المعادن كالحديد والنحاس والقصدير والألومنيوم وكذلك البلاستيك المشتق من البترول.

يمكننا القول بأن هذه المواد الخام وخاصة المعدنية منها لو لم تكن موجودة على الارض، أو لو أنّ الإنسان لم يعرف كيفية استخدامها واستغلالها لما تمكنَّا من الوصول إلى هذه التكنولوجيا التي جعلت حياتنا أسهل في كل الجوانب.

تنتج التكنولوجيا من استخدام الإنسان لهذه العناصر التي خُلقت ووُجدت على الأرض لهدف ما.

بالنظر إلى أيٍّ من هذه العناصر ندرك تمامًا مدى المعجزة في تركيبها وخلقها، نحن نعلم ذلك تمامًا.

يتصدر قائمة هذه العناصر عنصرٌ يحتل أهمية خاصة ومكانة مهمة في الحياة وفي التكنولوجيا بكل تأكيد: الحديد!

الحديد هو من أكثر العناصر توفرًا في الأرض ويمثل ما نسبته 5% من القشرة الأرضية.

يلعب هذا العنصر دورًا هامًا في مراحل الحياة كلها، بدءًا من الاتزان الفيزيائي في العالم الذي نعيش فيه وصولًا إلى قدرتنا على الاستفادة من الهواء الذي نتنفسه.

يصف عالِم الأحياء الأستراليّ الشهير المتخصص بالجزيئات مايكل دينتون في كتابة (قدر الطبيعة) الذي حظي باهتمام كبير عالميًا، يصف كيف أنّ قوانين الطبيعة والعناصر الموجودة في الطبيعة تم تفصيلها واختيارها لتساعد حياة الإنسان. وبخصوص الحديد يقول في كتابه:

من بين كل المعادن، لا يوجد عنصر أساسيّ في الحياة مثل الحديد، حيث كان انجذاب ذرات الحديد إلى مركز الأرض في قديم الزمان بواسطة الجاذبية سببًا في توليد الحرارة التي تسببت بدورها في بدء أول عملية تمايز كيميائي على الأرض مما أدى إلى إطلاق الغازات في الغلاف الجويّ وتكوين الغلاف المائيّ فيما بعد.

( من كتاب قدر الطبيعة لمايكل دينتون – صفحة 198).

الحديد له أهمية خاصة أيضًا بالنسبة لأجهزتنا التنفسية. يكوِّن الحديد بدوره مع الأكسجين عنصرًا أساسيًا في تكوين الهيموجلوبين في دم الإنسان، هذا يحافظ بشكل كبير على ذرات الأكسجين الزائدة ويجعلها تحت سيطرة الجسم.

يقوم الحديد بتوجيه الأكسجين والذي يعد من أهم مصادر الطاقة في الجسم حيث يساهم في نقل الأكسجين إلى الخلايا. بكلمات أخرى، يمكننا القول بأن للحديد دورًا مهمًا في نظام التنفس.

ماذا لو لم يكن لذرات الحديد أيّ وجود؟

في هذه الحالة لَأصبح من المستحيل استمرار الحياة ولَأصبح هذا الكوكب الذي نعيش عليه غير صالحٍ للحياة.

لو لم يكن هناك وجود للحديد، لما وُجدت الحرارة على الأرض منذ قديم الزمان ولما تشكل كلّ من الغلافين الجويّ والمائيّ للأرض.

المجال المغناطيسيّ الذي يحمي الأرض من الشهب والنيازك لم يكن ليتكون أيضًا، كذلك الأمر بالنسبة للأحزمة الإشعاعية وطبقة الأوزون .. كل ذلك لم يكن ليوجد على الأرض لولا الحديد.  ولولاه لأصبحت الأرض كوكبًا ميتًا

الحديد أيضًا هو أحد أهم العناصر التي ساهمت في تشكيل الحضارة الإنسانية.

 

هذا لأن الحديد هو السبب الرئيسي في وجود الصناعة، وكذلك لأنّ الصلب يتكون من كلّ من الحديد والكربون.

كل تلك المنتجات التي أنتجتها التكنولوجيا الحديثة والتي جعلت حياتنا أسهل كثيرا وحسَّنت من جودة ونمط الحياة ما هي إلا انعكاس وتأثير الصناعة.

لو لم يكن هناك حديد، لكان مستوى الصناعة على وجه الكرة الأرضية لا يتعدّى بعض المنتجات والأدوات الخشبية.

يظهر الحديد أيضًا في بعض المواضع في القرآن الكريم، على سبيل المثال معجزة الحديد اللين التي أنعم الله بها على نبيه داوود.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، "وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)" صدق الله العظيم. (سورة سبأ).

مقدم البرنامج: كل هذا يُظهر لنا أهمية وجود عنصر الحديد، وأنّ وجوده بكميات كبيرة على الأرض هو نعمة كبيرة يجب أن نحمد الله عليها. في الحقيقة، يلفت الله سبحانه وتعالى انتباهنا إلى هذه الحقيقة في القرآن الكريم، في سورة الحديد.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ" صدق الله العظيم (سورة الحديد – الآية 25).

مقدم البرنامج: تكمن في الحديد قوة هائلة والتي يمكن استخدامها والاستفادة منها بكثير من الطرق بالنسبة للإنسان، وهو أيضًا نعمة كبيرة من الله مكَّنت الإنسان من تحقيق التقدم التكنولوجي. لذا، فإنّ كل شيء مصنوع من الحديد والصلب يُذكِرنا بنعمة الله علينا.

المباني، السيارات، الطائرات، السكك الحديدية وناطحات السحاب الموجودة على الأرض قد نظن أنّ الفضل فيها يرجع للإنسان وحده. في الحقيقة، فإنّ كل ذلك موجود لأنّ الله قد خلق الحديد وأنزله في الأرض.