معمل عملاق يعمل من أجلنا تحت الأرض

التربة ليست مجرد شيء يتكون من مواد عضوية وجزيئات، إذ تُعد الكائنات الدقيقة التي تعيش فيها مكون آخر مهم. على سبيل المثال، يحتوي ما يُقدَّر بملعقة شاي واحدة من التربة على ما يقرب من 4000 نوع من الكائنات الدقيقة، وتلعب كثافة الكائنات الدقيقة في التربة، والعمليات الكيميائية المختلفة التي تؤديها، دورًا مهمًا في خصوبة التربة.

تُحلِّل تلك الكائنات الفضلات النباتية والحيوانية في التربة، لكي تتمكن من استيفاء حاجتها من الطاقة، بالإضافة إلى تحويل العناصر الغذائية إلى أشكال تستطيع النباتات امتصاصها، لأن العناصر الغذائية الموجودة في الفضلات النباتية والحيوانية في التربة، والمركبات النيتروجينية، والمعادن على وجه الخصوص، ليسوا على الشكل الذي تستطيع النباتات استخدامه مباشرة.

لكن، هذه الحالة التي قد تبدو مليئة بالمشاكل للنباتات تقوم بحلها الكائنات الدقيقة، وكلما يزداد غنى التربة من العناصر الغذائية، تزداد خصوبتها. تصف ورقة بحثية علمية منشورة بواسطة جامعة نبراسكا، معهد الزراعة والموارد الطبيعية، كيف تزيد تلك الكائنات من إنتاجية التربة:

هناك عالم آخر تحت قدميك، ورغم أنَّ نظام التوازن البيئي للتربة يحظى باهتمام قليل، إلا أنَّ فهم الحياة السرية لميكروبات التربة يُمكنه تحسين إنتاج المحاصيل، والبيئة. قاطنو التربة الأخفياء هؤلاء، يُعتَبرون خيولًا تعمل في عمليات معقدة تتكامل مع النباتات الصحيحة، والتربة. تؤدي الميكروبات جميع المهام المُفيدة، مثل تحويل بقايا النباتات إلى دبال غني، ومستقر، مما يُحسن من غذاء المحاصيل، واستخدام المياه، وبنية التربة.

"فهم ميكروبات التربة يمكن أن يساعد الزراعة والبيئة" جامعة نبراسكا، معهد الزراعة والموارد الطبيعية، 25 مارس، 2003.
 

تعمل الطريقة التي تتصرف من خلالها أشكال الحياة الدقيقة تلك - الأصغر من أن تُرى بالعين المجردة - من أجل تخصيب التربة، بالضبط كالكيميائيين، وهو ما يعتبر حالة خارقة للعادة. حتى الكيميائيين الذين أمضوا سنوات في التدريب يُمكن أن يرتكبوا أخطاءً، لكن هذه الكائنات تقوم بأداء واجباتها، منذ أول يوم خُلقت فيه، بطريقة لا تشوبها شائبة، وتُنتج العناصر الغذائية اللازمة للنباتات، والخضروات التي نأكلها.  

من الجلي أن الله يخلق هذه الكائنات ومعها العلم، والصفات التي تحتاج إليها، ويمنحنا نعمًا لا تُحصى بجعل التربة التي نعيش عليها في غاية الخصوبة بواسطة تلك الكائنات.

هذه نعمة عظيمة بكل تأكيد، رغم أن جميع النباتات التي تنمو في التربة تُروى بنفس المياه، وتقوم بعملية البناء الضوئي بنفس ضوء الشمس، وتستخدم نفس الهواء، إلا أنَّ لكل منها أشكالًا، ومذاقات، وفوائد غذائية مختلفة للغاية، ويُظهر أقل مقدار من التأمل، أنَّ هذه الأمور من أكثر الأشياء استثناءً.

كما لو كانت التربة مكونًا سحريًا، تقوم بتحويل البذور، والماء، والهواء، وضوء الشمس، إلى تفاح لذيذ، أو موز، أو فراولة طيبة الرائحة.
وتظهر هذه الخاصية من خصائص التربة في الآية القرآنية التالية:

 

“وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" (سورة الرعد، آية 4).

يجعل الله الذي لا نهاية لرحمته، من خصوبة التربة وسيلة لضمان أن النعم التي سيستمتع عباده بتناولها، ستصل إليهم بالشكل الأمثل. في آية أخرى، "ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا" يصف الله كيف جعل التربة مادة منتجة:

"فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إلى طَعَامِهِ، أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا، ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا، فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا، وَعِنَبًا وَقَضْبًا، وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا، وَحَدَائِقَ غُلْبًا، وَفَاكِهَةً وَأَبًّا، مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ" (سورة عبس، 24-32).