كما رأينا في الفيلمين الأول والثاني، ذكر القرآن الكريم - وهو كلام الله عز وجل - العديد من التطورات العلمية منذ قرون عديدة.
ولكن معجزات القرآن لا تقتصر على التطورات العلمية فحسب.
تحتوي آيات القرآن أيضًا على العديد من المعجزات التي تتعلق بالتاريخ.
لقد ورد ذكر ووصف العديد من الأقوام والمدن والملوك والحروب في قرآننا الكريم.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أكّدت الأبحاث والاكتشافات الأثرية تلك المعلومات التي ذكرها القرآن قبل أربعة عشر قرنًا.
لا شكّ أن القرآن هو وحي ومعجزة من الله.
في الآيات الأولى من سورة الروم، تجد النبوءة المذهلة التي تشير إلى الإمبراطورية البيزنطية، وهي الجزء الشرقي من الإمبراطورية الرومانية. الإمبراطورية البيزنطية، والتي تلقّت هزيمة كبيرة، سوف تنتصر في وقت قريب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
" الم ﴿١﴾ غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿٢﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿٣﴾ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿٤﴾" (سورة الروم – الآيات 1-4).
هذه الآيات نزلت تقريبًا عام 620 من الميلاد، أي بعد حوالي 7 أعوام من الهزيمة القاسية التي تلقاها البيزنطيون المسيحيون من الفرس الوثنيين في عامي 613 و614 من الميلاد.
في الواقع، عانت الإمبراطورية البيزنطية من هزائم ثقيلة للغاية، حتى أنه بدا من المستحيل لها أن تنتصر مرة أخرى، بل بدا مستحيلًا لها أن تستطيع البقاء. عقب انتصار الفرس على البيزنطيين في أنطاكية عام 613 من الميلاد، سيطر الفرس على دمشق وقيليقية وطرطوس وأرمينيا والقدس. كانت خسارة القدس عام 614 من الميلاد مؤلمة بشكل خاص للبيزنطيين، وذلك بسبب تدمير كنيسة القيامة، واستيلاء الفرس على "الصليب الحقيقي" رمز المسيحية.
بالإضافة إلى ذلك، كان الأفار والسلاف واللومبارديون يشكلون تهديدًا خطيرًا على الإمبراطورية البيزنطية.
كان الأفار قد وصلوا إلى أسوار القسطنطينية، وأمر الإمبراطور هرقل بأن يتم صهر الذهب والفضة الموجودة في الكنائس وتحويلها إلى مال لتغطية نفقات الجيش. ثار العديد من الحكام ضد هرقل، وكانت بيزنطة على وشك الانهيار، كان الفرس الوثنيون قد غزوا بلاد الرافدين وقيليقية وسوريا وفلسطين ومصر وأرمينيا، تلك البلاد التي كانت تحت سيطرة البيزنطيين.
كان الجميع يتوقعون انهيار وتدمير الإمبراطورية البيزنطية، ولكن خلال ذلك الوقت، نزلت الآيات الأولى من سورة الروم، معلنة أن البيزنطيين (الذين كانوا يسمون بالروم) سوف ينتصرون في خلال فترة من ثلاث إلى تسع سنوات، هذا النصر الذي ذكره وتنبأ به القرآن، بدا مستحيلًا حتى أن المشركين العرب ظنوا أنه لن يتحقق أبدًا.
ولكنّ هذا التنبؤ - كغيره من التنبؤات الأخرى في القرآن - تحقق بالفعل، ففي عام 622 من الميلاد، حقق هرقل العديد من الانتصارات أمام الفرس واستولى على أرمينيا.
في ديسمبر عام 627، خاضت الإمبراطوريتان معركة حاسمة في نينوى - نحو 50 كيلومترًا شرق نهر دجلة - بالقرب من بغداد. في هذه المرة أيضًا، استطاع الجيش البيزنطي هزيمة الفرس، وبعد بضعة أشهر، لجأ الفرس إلى الصلح مع البيزنطيين مما ألزم الفرس بالخروج من الأراضي التي احتلوها من البيزنطيين.
اكتمل انتصار الإمبراطورية البيزنطية عندما انتصر الإمبراطور هرقل على كسرى الثاني حاكم الفرس عام 630، واستعاد القدس واستعاد "الصليب الحقيقي" لكنيسة القيامة.
وفي النهاية، تحقق انتصار الروم - الذي أخبرنا الله عنه في القرآن - في فترة من ثلاث إلى تسع سنوات كما ذُكر في الآية تمامًا.
كما كشفت الآيات عن معجزة أخرى، وهي الموقع الجغرافي والذي لم يكن معروفًا لأي أحد في ذلك الوقت، "غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ".
التعبير العربي "أدنى الأرض" مشتق من كلمة "دُنوّ" وهو الانخفاض، ومنه كلمة "دانٍ" والتي تعني منخفض، أي أن "أدنى" تعني الأكثر انخفاضًا، كلمة "الأرض" تعني العالم، لذا فتعبير "أدنى الأرض" يعني المنطقة الأكثر انخفاضًا على سطح الأرض.
حوض البحر الميت هو أخفض منطقة على سطح الأرض، وهو أحد المناطق التي انهزم فيها البيزنطيون أثناء حروبهم مع الفرس عامي 613-614. بالنسبة للبيزنطيين المسيحيين، كانت خسارة "الصليب الحقيقي" الخسارة الأثقل عند هزيمتهم في القدس التي تقع بالقرب من البحر الميت. البحر الميت هو أدنى مكان على سطح الأرض حيث يقع سطحه تحت مستوى سطح البحر بـ 399 مترًا، وبالتالي تحقق ما أخبرتنا الآية عنه وهو هزيمة الروم في أدنى الأرض.
كان مستحيلًا بالنسبة لأي شخص أن يدرك هذه الحقيقة في ذلك الوقت، إذ تم إثباتها عن طريق المُعِدات وطرق القياس الحديثة، ولكن عندما يذكر القرآن ذلك بوضوح ويصف تلك المنطقة بـ "أدنى الأرض"، فهذا يعطينا دليلًا إضافيًا أن القرآن هو كلام الله.
حفظ جثة فرعون
كان فرعون - الذي حكم مصر - هو وحاشيته مؤمنين بمعتقدات وثنية.
في الواقع، وفقًا لمعتقداتهم المشوهة تلك، كان فرعون يرى نفسه إلهًا!
في ذلك الوقت، أرسل الله نبيه ورسوله موسى (عليه السلام) إلى أهل مصر.
دعا موسى فرعون للإيمان بالله ولكن فرعون قابل دعوة موسى بالافتراءات والتهديدات.
استمر فرعون في غروره وتكبره، حتى واجه عقاب الله، عندما واجه خطر الموت غرقاً.
تحول موقف فرعون وقتها إلى الإيمان، كما تصف الآيات التالية:
" وَجاوَزنا بِبَني إِسرائيلَ البَحرَ فَأَتبَعَهُم فِرعَونُ وَجُنودُهُ بَغيًا وَعَدوًا حَتّى إِذا أَدرَكَهُ الغَرَقُ قالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلـهَ إِلَّا الَّذي آمَنَت بِهِ بَنو إِسرائيلَ وَأَنا مِنَ المُسلِمينَ" (سورة يونس – الآية 90).
ولكن تحوّله إلى الإيمان في اللحظة الأخيرة لم يُقبَل.
" آلآنَ وَقَد عَصَيتَ قَبلُ وَكُنتَ مِنَ المُفسِدينَ﴿٩١﴾ فَاليَومَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكونَ لِمَن خَلفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثيرًا مِنَ النّاسِ عَن آياتِنا لَغافِلونَ ﴿٩٢﴾" (سورة يونس – الآيات 91-92).
تحدثت الآية عن نجاة جثة فرعون ليكون عبرة للأجيال التالية، ويمكننا أن نفهم من ذلك أن جسده لن يتحلل.
يمكنك أن ترى جثة فرعون على شاشة العرض في غرفة المومياوات الملكية في المتحف المصري في القاهرة، تمامًا كما أخبر القرآن عنه، قبل أربعة عشر قرنًا.
فتح مكة
ذات ليلة في المدينة المنورة، رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) في المنام أن المؤمنين سيدخلون المسجد الحرام آمنين وسيطوفون حول الكعبة.
في سورة الفتح، أوحى الله إلى نبيه أنه يؤيده ويدعمه، وأن الرؤيا كانت صحيحة، وأن المؤمنين سيدخلون مكة.
" لَّقَدْ صَدَقَ اللَّـهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّـهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا" (سورة الفتح – الآية 27).
في الوقت الذي حمل فيه نبينا تلك البشرى للمؤمنين، لم يكن الوضع مناسبًا على الإطلاق، فالمؤمنون الذين هاجروا من مكة إلى المدينة مع النبي لم يكونوا قادرين على العودة في ذلك الوقت، إذ أن المشركين عزموا على منع المؤمنين من العودة إلى مكة.
ومع ذلك، تغير ذلك الوضع في وقت قصير.
في البداية تم عقد صلح الحديبية، وبعد ذلك تم فتح مكة.
دخل المؤمنون المسجد الحرام في أمان تام، كما أخبرت الآية من قبل.
وبهذا تحققت البشرى التي وعد الله بها النبي.
تحدثت آيات أخرى عن بشرى فتح مكة أيضًا، كالتالي:
"إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ﴿١﴾ لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّـهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴿٢﴾ وَيَنصُرَكَ اللَّـهُ نَصْرًا عَزِيزًا ﴿٣﴾" (سورة الفتح – الآيات 1-3).
تسارع استكشاف الإنسان للفضاء مع إطلاق القمر الصناعي السوفيتي سبوتنيك في 4 أكتوبر 1957 بنجاح، والذي تعتبره وكالة ناسا أنه "فجر عصر الفضاء".
كان أول رجل يخرج من الغلاف الجوي للأرض هو رائد الفضاء السوفيتي يوري جاجارين الذي غادر في المركبة الفضائية فوستوك 1 في عام 1961.
استطاع الإنسان النزول على سطح القمر في 20 يوليو 1969 في المهمة أبولو 11 الأمريكية.
في الواقع، لقد ذُكر في القرآن أن مثل هذه التطورات والإنجازات ستتحقق في يوم من الأيام.
ذكر القرآن ذلك قبل أربعة عشر قرنًا، في وقت لم يكن فيه مركبات فضاء مجهزة بالتكنولوجيا المتقدمة!
" يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ" (سورة الرحمن – الآية 33).
إذا تأملنا الآية بدقة سنجد أنها تؤكد أن الإنسان سيكون قادرًا على النزول إلى أعماق الأرض والنفاذ من السماء، فقط إذا كانت لديه قوة فائقة.
في جميع الاحتمالات، من تلك القوة الفائقة هذه التكنولوجيا العالية المستخدمة في القرن العشرين.
في الواقع، لقد تحقق ما أخبرنا الله عنه في القرآن، عن طريق تكنولوجيا القرن العشرين المتقدمة.
بث الصور عن بُعد
" قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَـذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ..." (سورة النمل – الآية 40).
قال "الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ" لسيدنا سليمان (عليه السلام) أنه يستطيع إحضار عرش ملكة سبأ إليه بسرعة كبيرة.
يُشار هنا إلى حقيقة مذهلة أخرى وهي نقل الصور عن بُعد عن طريق التكنولوجيا المتقدمة الموجودة في وقتنا الحالي! تتحدث آية أخرى عن هذا الموضوع فيما يلي:
"قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ" (سورة النمل – الآية 39).
في يومنا هذا يمكننا إرسال جميع أنواع المعلومات بما في ذلك النصوص والصور والأفلام إلى أي مكان في العالم خلال ثوانٍ معدودة عن طريق شبكة الإنترنت وتقنيات الكمبيوتر المتقدمة.
يرى العلماء اليوم أن نقل الذرات والجزيئات وحتى الأشياء الأكبر حجمًا قد يكون واقعًا في المستقبل القريب.
في الواقع، في عام 2006 استطاع باحثون في معهد نيلز بور نقل المعلومات عن بُعد بين ذرات الضوء والغاز، كما استطاع ذلك الفريق البحثي حديثًا في نقل المعلومات عن بُعد بين سحابتين من ذرات الغاز، لقد تمكنوا من القيام بذلك ليس لمرة واحدة أو لمرات قليلة، بل نجحوا في جميع المحاولات، وتم نشر النتائج في مجلات علمية شهيرة.
قد تكون هذه التطورات العلمية جزءًا من التقنيات التي أشار القرآن الكريم إليها وإلى قدرتها الخارقة.
هامان والنقوش المصرية القديمة
أحد الأشخاص الذين أشير إليهم في سياق قصة فرعون هو "هامان". ذُكِر هامان في ستة مواضع مختلفة في القرآن الكريم، والتي من خلالها علمنا أنه كان واحدًا من أفراد حاشية فرعون المقربين، والمثير للدهشة أن اسم "هامان" لم يُذكر أبدًا في أي جزء من أجزاء العهد القديم التي تتعلق بحياة النبي موسى.
أيَّدت الاكتشافات الأثرية بعد قرون لاحقة المعلومات التي ذكرها القرآن.
حتى القرن الثامن عشر، لم نتمكن من فهم الكتابات والنقوش المصرية القديمة. تكوّن نظام الكتابة في مصر القديمة من الأحرف الهيروغليفية وهي عبارة عن استخدام صور بدلًا من الأحرف، وقد تم نسيان هذا النظام منذ قرون.
في عام 1799، تم حل لغز الهيروغليفية المصرية القديمة عن طريق اكتشاف لوحة تسمى "حجر رشيد" يعود تاريخها إلى عام 196 قبل الميلاد. بعد فك الرموز الهيروغليفية، تم اكتشاف معلومة هامة للغاية وهي أن اسم هامان قد وَرَد في النقوش المصرية، وأشار نفس النقش أيضًا إلى العلاقة الوثيقة بين هامان وفرعون.
في قاموس "الناس في المملكة الحديثة" الذي أعِدّ بناء على المجموعة الكاملة من النقوش، يقال أن هامان كان "رئيس عمال المحاجر". وكشفت نتائج تلك الاكتشافات عن حقيقة هامة جدًا: أن هامان عاش في مصر وقت سيدنا موسى، كما ذُكر في القرآن تمامًا. كان هامان قريبًا من فرعون وشارك في أعمال البناء، وقد أشار القرآن إلى ذلك أيضًا، حيث تشير آية من سورة القصص إلى طلب فرعون من هامان أن يبني له برجًا، وهو ما يتفق تمامًا مع هذا الاكتشاف الأثري.
" وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَـهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ" (سورة القصص – الآية 38).
اكتشاف اسم هامان على النقوش المصرية القديمة يؤكد مرة أخرى أن القرآن مُنزَّل من عند الله، وبطريقة إعجازية، ينقل لنا القرآن معلومات تاريخية لم يكن ممكنًا أن يعرفها أحد في وقت النبي.
عقاب الله لفرعون وقومه
كان فرعون وهؤلاء المقربون منه متمسكين بمعتقداتهم الوثنية، حتى أن الرسالة الحكيمة التي جاء بها سيدنا موسى وما صحبها من معجزات لم تبعدهم عن تلك الخرافات التي لا أساس لها.
وبسبب تكبّرهم وغرورهم، أنزل الله البلاء عليهم ليكون عقابًا لهم في الدنيا أيضًا، يخبرنا القرآن الكريم عن ذلك فيقول:
" فَأَرسَلنا عَلَيهِمُ الطّوفانَ وَالجَرادَ وَالقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاستَكبَروا وَكانوا قَومًا مُجرِمينَ" (سورة الأعراف – الآية 133).
وقد تم تأكيد ما ذكره القرآن عن تلك الفترة من تاريخ البشر، وذلك عن طريق اكتشاف بردية إيبوير في أوائل القرن التاسع عشر، والبردية يعود تاريخها إلى عصر الدولة الوسطى.
تتشابه التفاصيل المتعلقة بالكوارث التي أصابت شعب مصر الموجودة على البردية مع وصف القرآن لهذه الكوارث.
انتشر الطاعون في جميع أنحاء البلاد، الدم في كل مكان، النهر عبارة عن دم، كل ما كان موجودًا بالأمس يهلك، الأرض متروكة بسبب الإهمال مثل الكتان المقطوع، مصر السفلى تبكي، القصر بأكمله بلا عائدات، ممتلكات الناس من القمح والشعير والأوز والأسماك، والحبوب قد هلكت من كل جانب، المدن دُمِّرت، مصر العليا أصبحت جافة، انقلبت البلاد في دقيقة واحدة. ("الكوارث التي أصابت مصر"، معاتبة إيبوير).
مدينة إرم
في أوائل تسعينات القرن الماضي، تم اكتشاف إحدى المدن العربية القديمة، وكانت واحدة من أهم الاكتشافات الأثرية.
ما جعل هذا الاكتشاف مهمًا أن هذه المدينة كان يسكنها قوم عاد الذين ذُكِروا في القرآن.
لقد كان نيكولاس كلاب - وهو مخرج أفلام وثائقية شهير ومُحاضِر في علم الآثار - هو من اكتشف هذه المدينة التي ذُكِرت في القرآن. أثناء بحثه، درس نيكولاس كلاب أحد الكتب المثيرة للاهتمام عن التاريخ العربي.
أشار الكتاب إلى أوبار وهي مدينة قديمة جدًا، وإلى بعض المسارات المؤدية إليها. طلب كلاب المساعدة من وكالة ناسا بتوفير صور للمنطقة من خلال الأقمار الصناعية لتساعده على إيجاد هذه المسارات، ثم شرع كلاب في دراسة المخطوطات والخرائط القديمة في مكتبة هنتنغتون في كاليفورنيا.
هناك، سرعان ما وجد خريطة رسمها الجغرافي المصري اليوناني بطليموس، والتي توضح موقع مدينة قديمة في المنطقة، والطرق التي أدّت إلى هذه المدينة. علاوة على ذلك، فإن مسارات الخريطة اتفقت مع المسارات في الصور التي التقطتها وكالة ناسا عن طريق الأقمار الصناعية.
في نهاية هذه المسارات، كان هناك مكان واسع يبدو أنّه كان مدينة في الماضي، وأخيرًا، تم اكتشاف موقع هذه المدينة الأسطورية. بعد فترة قصيرة، بدأت أعمال الحفر والتنقيب حتى ظهرت بقايا مدينة قديمة، هذه البقايا كانت دليلًا حقيقيًا أن هذه المدينة القديمة كانت مدينة قوم عاد المُشار إليهم في القرآن.
لأنه كانت هناك أعمدة بين الهياكل والأبنية المكتشفة أثناء التنقيب، هذا ما توضحه الآيات تمامًا:
"أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ﴿٦﴾ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ﴿٧﴾ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴿٨﴾" (سورة الفجر – الآيات 6-8).
كما رأينا، المعلومات التاريخية الواردة في القرآن الكريم حول الأحداث الماضية - والتي لم تكن معروفة في زمن نبينا (عليه الصلاة والسلام) - تتفق بشكل كامل مع المعلومات التاريخية، وهذا دليل آخر على أن القرآن هو كلام الله.
مدينتي سدوم وعمورة
عاش نبي الله لوط في نفس وقت سيدنا إبراهيم (عليهما السلام)، أرسله الله إلى قوم مجاورين لسيدنا إبراهيم، هؤلاء القوم - كما يخبرنا القرآن - مارسوا انحرافًا لم يسبق له مثيل في العالم، وهو الشذوذ الجنسي.
عندما أخبرهم نبي الله لوط بأن يتركوا هذا الذنب العظيم، لم يستجيبوا له، وأنكروا نبوته، واستمروا في هذا الأسلوب الفظيع في حياتهم. ونتيجة لذلك، دُمِّر قوم لوط في كارثة مروعة، تقول الآيات:
"وَلوطًا إِذ قالَ لِقَومِهِ أَتَأتونَ الفاحِشَةَ ما سَبَقَكُم بِها مِن أَحَدٍ مِنَ العالَمينَ ﴿٨٠﴾ إِنَّكُم لَتَأتونَ الرِّجالَ شَهوَةً مِن دونِ النِّساءِ بَل أَنتُم قَومٌ مُسرِفونَ ﴿٨١﴾" (سورة الأعراف – الآيات 80-81).
"وَأَمطَرنا عَلَيهِم مَطَرًا فَانظُر كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُجرِمينَ ﴿٨٤﴾" (سورة الأعراف – الآية 84).
المدينة المذكورة في القرآن والتي عاش فيها قوم لوط والتي دُمِّرت في نهاية الأمر، اكتُشِفت مؤخرًا خلال أعمال الحفر والتنقيب عن الآثار، هذه المدينة القديمة هي سدوم، كما يطلق عليها في العهد القديم.
وقد كشفت أعمال التنقيب أن المدينة تقع بالقرب من البحر الميت، أي على الحدود الأردنية الإسرائيلية في الوقت الحاضر، المنطقة مغطاة بكميات كبيرة من الكبريت المترسب.
هذا هو الدليل الأهم، لأن الكبريت هو العنصر الذي يظهر نتيجة للثورات البركانية، وهناك إشارة في القرآن إلى أن تدمير المدينة كان عن طريق الزلازل والثورات البركانية.
يقول عالم الآثار الألماني فيرنر كيلر عن هذه المنطقة:
كل من وادي سديم - الذي يتضمن مدينتي سدوم وعمورة - وقاعدة الشق العظيم والذي يمتد خلال هذه المنطقة، سقطا ذات يوم إلى أعماق سحيقة، نتج هذا الدمار عن زلزال عنيف ربما قد صاحبه انفجارات وبرق وخروج غاز طبيعي وحريق شامل، في الوادي العلوي للأردن بالقرب من باشان، لا تزال هناك فوهات ضخمة لبراكين خامدة، بالإضافة إلى ترسُّب مساحات كبيرة من الحمم وطبقات عميقة من البازلت على سطح الحجر الجيري. (فيرنر كيلر، الكتاب المقدس كتاريخ، الصفحات 75-79).
هذه الطبقات من الحمم والبازلت هي أدلة على حدوث انفجار بركاني وزلزال في هذه المنطقة، على أية حال، تقع بحيرة لوط، والتي تعرف باسم البحر الميت، فوق منطقة نشطة لحدوث الزلازل، أي أن المنطقة عبارة عن حزام للزلازل، وقد كشفت الدراسات التي أُجريت من قبل علماء الجيولوجيا عن الجانب التقني من الكارثة التي حلّت بقوم لوط.
هذا أيضًا دليل آخر على أن القرآن هو كلام الله.
قوم سبأ وسيل العرم
كانت سبأ واحدة من أكبر الحضارات الأربعة التي عاشت في جنوب الجزيرة العربية.
استطاع قوم سبأ بناء سد مأرب من خلال تقنيات متقدمة بعض الشيء مقارنة بذلك العصر، وبالتالي امتلكوا قدرة هائلة للري، والكثير من الثروات والبضائع.
وبدلًا من أن يشكروا الله على كل هذا، أعرضوا عنه، كما رفضوا الاستجابة للتحذيرات ورسائل التذكير المرسلة لهم، وبسبب هذه الأخلاق السيئة، فإنهم يستحقون عقاب الله.
وفي عام 542، انهارت سدودهم، ودمّر سيل العرم جميع أراضيهم.
مزارع الكروم والبساتين والحقول التي زرعوها لمئات السنين دُمِّرت كلها بشكل كامل.
يصف القرآن الكريم هذا السيل كما يلي:
" لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴿١٥﴾ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴿١٦﴾ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴿١٧﴾" (سورة سبأ – الآيات 15-17).
هذه الحقيقة التي كشف عنها القرآن تتفق تمامًا مع الاكتشافات الأثرية. في القرآن، العقاب الذي أُرسل لقوم سبأ يسمى "سيل العرم" والتي تعني طوفان عرم. التعبير المستخدم في القرآن يخبرنا أيضًا عن الطريقة التي وقعت بها الكارثة. كلمة "عرم" تعني سدًا أو حاجزًا، لذا فتعبير "سيل العرم" يصف فيضانًا جاء مع انهيار هذا الحاجز.
عالم الآثار المسيحي فيرنر كيلر صاحب كتاب "الكتاب المقدس كتاريخ" يرى أن سيل العرم حدث وفقًا لوصف القرآن، وكتب موضحًا أن وجود مثل هذا السد وتدمير المدينة بأكملها بسبب انهيار السد يثبت أن المثال المذكور في القرآن الكريم عن قوم سبأ وجنتيهم قد تحقق بالفعل.
هذه الحقائق التي لم تكن معروفة وقت نزول القرآن، قد اكتُشِفت عن طريق الدراسات الحديثة للآثار، وهذه معجزة أخرى من معجزات القرآن.
القرآن هو وحي من الله
القرآن هو كلام الله عز وجل، الذي خلق كل شيء، ووسع كل شيء علمًا.
أحد البراهين على ذلك والتي لا تحصى، هي تضمن آياته على حقائق حول مسائل علمية، وعن الماضي والمستقبل، والتي لم يكن يمكن لأحد أن يعرفها وقت نزوله، وقد تم الكشف عن كل ذلك قبل أربعة عشر قرنًا.
كل معلومة موجودة في القرآن تكشف لنا عن معجزات مخبوءة يكشفها هذا الكتاب الإلهي.
يقول الله تعالى في أحد الآيات: "... وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا" (سورة النساء – الآية 82).
يجب على الناس التمسك بهذا الكتاب الإلهي الذي أنزله الله، وأن يتخذوه مرشدًا لهم في الحياة. يقول لنا الله في القرآن الكريم:
" وَما كانَ هـذَا القُرآنُ أَن يُفتَرى مِن دونِ اللَّـهِ وَلـكِن تَصديقَ الَّذي بَينَ يَدَيهِ وَتَفصيلَ الكِتابِ لا رَيبَ فيهِ مِن رَبِّ العالَمينَ ﴿٣٧﴾ أَم يَقولونَ افتَراهُ قُل فَأتوا بِسورَةٍ مِثلِهِ وَادعوا مَنِ استَطَعتُم مِن دونِ اللَّـهِ إِن كُنتُم صادِقينَ ﴿٣٨﴾" (سورة يونس – الآيات 37-38).
" وَهـذا كِتابٌ أَنزَلناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعوهُ وَاتَّقوا لَعَلَّكُم تُرحَمونَ" (سورة الأنعام – الآية 155).