لا حزن ولا أسى

خلق الإنسان بطبيعته محبًا للجمال، ويرغب في العيش في سعادة ورفاه، لذلك من الطبيعي أن يرغب الإنسان في التخلص من حالات الحزن في أسرع وقت ممكن، أو يحولها إلى  سعادة. في الواقع، فإن البهجة والسعادة والراحة هي عوامل مهمة لصحة الجسد والروح.

ومع ذلك، فعندما يتصرف الناس وفقًا لمشاعرهم ورغباتهم ومعاييرهم، دون مراعاة لتعاليم القرآن، يصبحون مقهورين من الحزن والقلق والخوف. عندما لا يفهم الإنسان معنى القدر، والخضوع التام لإرادة الله كما يعلمنا القرآن، يصبح في حالة صراع دائم مع القلق الذي ينشأ من عدم معرفته لما سيحدث له أو للمقربين له في أي وقت من الأوقات.

 في حين أنه إذا عاش حياته وفقًا للدين الذي اختاره الله له، وفقًا للقيم القرآنية، فلن يعاني أبدًا من هذا القلق أو أي من هذه الصعوبات الأخرى. يخبرنا الله بهذه الحقيقة من خلال القرآن عندما يقول:

" فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى " (سورة طه: 123-124).

وكما جاء في الآية المذكورة، يبتعد الكثير من الناس عن ذكر الله، ونتيجة لذلك، يعيشون حياة قلقة وغير سعيدة، ويتغلب الخوف على عقولهم بشكل مستمر، يخافون أن يفقدوا وظائفهم فيصبحوا فقراء، أو من التعرض للخداع أو من الإصابة، فعندما يطمحون إلى الثناء، يخشون السخرية، وعندما يطمحون إلى الولاء، يخشون الجحود، يصبحون متشائمين فينتظرون تلقي أخبار سيئة في أية لحظة، أو أن شخصًا ما قد يقول أو يفعل شيئًا يحزنهم، حتى في أسعد اللحظات، يعيشون مع القلق لأنهم لن يستطيعوا أن يحتفظوا بالسعادة إلى الأبد، فتصبح حياتهم جحيمًا.

إن الشخص الذي يقيّم الوضع بشكل سطحي ويتفاعل معه عاطفيًا لن يتمكن من استيعاب أن ما يحدث له الآن قد يصبح في مرحلة لاحقة أمرًا جيدًا بالنسبة له. على سبيل المثال، كيف يعرف الشخص الذي يحزن لأنه لم يستطع اللحاق بحافلته، أنها لن تتعرض لحادث بعد لحظات؟

دعونا نتأمل مثالًا آخر: سائق يخطئ الطريق، فيجد نفسه في الاتجاه الخاطئ، تقييم الوضع على المستوى السطحي من الإدراك يجعله يغضب من نفسه، فتتبخر فرحته لأنه سيضطر للقيادة لمسافة أطول، ومع ذلك، كان الله الذي جعله يتخذ هذا الطريق، كما هو الحال في كل حدث، كان هذا أيضًا قدره.

هناك العديد من هذه الأمثلة في حياتنا اليومية، لذا، من المهم جدًا أن يكون هذا الأمر واضحًا وأن يؤخذ في الاعتبار باستمرار. كل ما يصادفه الإنسان، كبيرًا كان أو صغيرًا، هو من قدر الله، والله يخلق كل شيء لمصلحة المسلمين. فمن الضروري أن نفهم هذا الأمر جيدًا، وألا ننساه أبدًا وأن ننظر إلى كل شيء بعين الحكمة، فنعلم أن الأمر كله خير.

تقييم جميع الأحداث ضمن خطة الله بهذه الطريقة لا يدع مجالًا للحزن على أي شيء، وتلك نعمة عظيمة في الدنيا والآخرة، وسيكون هذا سببًا في تمتع المؤمن بقوة الإرادة والسلام والراحة.

المذيع:

كما رأينا في الأمثلة المذكورة في هذا الفيلم الوثائقي، فإن الحياة بالقيم الأخلاقية للقرآن الكريم تعتبر مصدرًا لليسر والراحة. هذه هي الطريقة الوحيدة التي تجعل الشخص يربح الدنيا والآخرة معًا. إن الذين يعيشون مع القيم الأخلاقية للقرآن يقضون حياتهم بأكملها كما شكلتهم هذه الفضائل، فهم يتمسكون بدقة بأوامر القرآن ويتجنبون مخالفتها، أخلاقهم ليست مزيفة ولا تتغير وفقًا لما يحيط بهم من أحداث، كما أنهم يظهرون شخصية قوية ويعلمون بأن جميع الأحداث من الله وكلها خير. مع هذه الخصائص، يمكن بسهولة تمييزهم عن العديد من الأفراد الآخرين في المجتمع الذي يعيشون فيه، فهم يتشبهون بأخلاق الأنبياء التي ذكرت في القرآن باعتبارهم قدوة لهم ويسعون لتحقيق الفضائل الأخلاقية المنشودة.

يجب ألا ننسى أننا لكي نستحق دخول الجنة التي وعد الله المؤمنين علينا التمسك بهذه الفضائل، فبهذه الطريقة يمكننا أن نرجو أن يغفر لنا الله خطايانا، ويدخلنا الجنة برحمته.

هذا ما وعد الله المؤمنين في القرآن:

" أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " (سورة يونس: 62-64).