التوازن البديع للانفجار

كما رأينا، فإنَّ الكون الذي نعيش فيه وُجِد قبل حوالي 15 مليار عام بانفجار كبيرٍ، واستمر في التمدد وأخذ شكله الحالي.

 

خواء الفضاء…

المجرات…

الكواكب…

الشمس…

الأرض…

 

باختصار، تشكَّلت كل هياكل الكون وبِناه نتيجةً لهذا الانفجار. ولكن هناك واقع كبير وهو: أنَّ الانفجار الكبير كان انفجارًا عجيبًا شمل كل المادة اللازمة لتشكيل الكون. إذا لم يكُن شيئًا سوى انفجار مصادِف، كانت المادة المتشكِّلة فيه لتنتشر باندفاع وعشوائية دون نظام.

ولكن هذا لم يحدث، انتشرت المادة عبر خواء الفضاء وشكَّلت المجرات والنجوم والأنظمة النجمية وفقًا لخطة محددة. في النهاية، تشكَّل كون منظم ومنهجي لأقصى حد. كان هذا مفهوم مذهل للعديد من العلماء، لأنَّ كل الانفجارات تدمِّر النظام عبر تحطيمه إلى قطع صغيرة، فلكل الانفجارات أثر مدمِّر.

ومن ثم، فإنَّ تشكيل هذا النظام الذي لا تشوبه شائبة بعد الانفجار الكبير لا يمكن تفسيره سوى بـ«معجزة». كما صرَّح عالِم الفيزياء الفلكية الراحل آلان سانديج:

أجد أنَّه من المستبعد قليلًا أن ينبع مثل هذا النظام من فوضى. الله هو تفسير معجزة الوجود، وسبب وجود شيء ما بدلًا من لا شيء. (J. N. Willford, March 12, 1991, Sizing up the Cosmos: An Astronomers Quest)

جمعت هذه المعجزة العظيمة بين الذرات بطريقة معينة، مشكِّلةً الكون والتوازن المثالي بين مليارات المجرات وتريليونات النجوم والأجسام السماوية الأخرى. إنَّه الله، الحكيم القدير، الذي صنع هذه المعجزة وأرانا إيَّاها. يقول الله في آيةٍ في القرآن:

«الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا» القرآن الكريم، سورة الفرقان - آية 2.

بدأت أجزاء المادة التي تشكَّلت نتيجةً للانفجار الكبير في التطاير بعيدًا عن بعضها البعض بسرعةٍ جسيمة.

ولكنَّها إذا كانت قد تطايرت بعيدًا بسرعةٍ أقل قليلًا، كانت المادة كلها لتتكتَّل سويًّا، بفعل قوة الجاذبية الشديدة، قبل أن تسنح الفرصة أمام أنظمة النجوم لتتشكَّل.

وإذا كان الكون قد تمدَّد أسرع قليلًا، كانت المادة الموجودة فيه لتتناثر وتنتشر في أنحاء الكون، وتضيع بطريقةٍ كانت ستعيق تشكُّل كلٍّ من المجرات والنجوم.

في أيٍّ من هذه الحالات، لم تكُن لتوجد كائنات حية - بما فيها نحن - في الكون.

ولكن لم يحدث أيٌ من هذه المواقف، بل أدَّى معدَّل التمدُّد المصمَّم تصميمًا جيِّدًا لأقصى حد إلى نظام الكون الحالي.

إذًا، ما مدى حساسية هذا التوازن بالتحديد؟

كتب الأستاذ ستيفن هوكينج - أحد أبرز الفيزيائيين في عصرنا - في كتابه الشهير تاريخ موجز للزمن Brief History of Time:

إذا كان معدل التمدد بعد ثانية واحدة من الانفجار الكبير أصغر بمقدار حتى جزء من مائة ألف مليون مليون، كان الكون لينهار ثانيةً قبل أن يصل إلى حجمه الحالي. (Stephen W. Hawking, A Brief History of Time, p. 121)

شبَّهت مجلة علمية معروفة بداية الكون بوضع سنّ قلم رصاص بطريقةٍ تجعله يظل في هذا الوضع حتى بعد مرور مليار عام. إنَّ مثل هذا التوازن يتجاوز حقًّا إدراك العقل البشري.

إلامَ يشير هذا التوازن الاستثنائي؟

بالطبع لا يمكن تفسير مثل هذا التوازن الحساس بالصدفة البحتة، بل إنَّه يشير إلى تكوين واعٍ. يقبل بول ديفيس، عالِم الفيزياء النظرية من جامعة أديليد في أستراليا، هذا الواقع، رغم دعمه للمادية.

ينبغي أن يظل التزامن الذي يبدو خارقًا للقيم الاسمية في الثوابت الأساسية [للطبيعة] أكثر الأدلة على وجود عنصر التصميم الكوني جاذبيةً. (Paul Davies, God and the New Physics, p. 189)

ما تجنَّب ديفيس قوله صراحةً لأسباب أيديولوجية - وأشار إليه بـ«التصميم الكوني» - هو الخَلق. أدَّت نتائج العلم الواضحة بديفيس - المادي - إلى الاعتراف بحقيقة أنَّ الكون نتيجةٌ للخَلق.

أدلى أستاذ الفلك الأمريكي جورج جرينشتاين بتصريحٍ مشابه في كتابه الكون التكافلي The Symbiotic Universe:

ومع فحصنا كل الأدلة، يزداد إلحاح فكرة أنَّه لا بد وأن تكون لفاعلٍ خارقٍ ما - أو بالأحرى للفاعل الخارق - يدٌ في الأمر. (George Greenstein, The Symbiotic Universe, p. 27)

خلاصة القول، يشير النظام والخطة الفريدان في الكون بوضوحٍ إلى وجود خالقٍ يملك ذكاء وقوة ومعرفية لا متناهية. وذلك الخارق هو الله الجبَّار، ربُّ كل العوالم.

سننظر الآن إلى غرض الخواء الشاسع في الفضاء. ماذا كان سيحدث لو لم يكُن الفضاء كبيرًا بهذا القدر؟