رغم أنَّه يبدو غير معقد نوعًا ما، إلا أن التربة لها بناءٌ معقد للغاية، وتحتوي على نظام بيئي كبير في داخلها. تتضمن المركبات الموجودة داخل التربة معادن متعددة، ومواد مثل الأوكسجين، والماء، والدبال، بالإضافة إلى الفضلات الحيوانية والنباتية. علاوة على ذلك، هناك أيضًا مكونات حية في التربة، تأتي منها مواد، ومُركبات تمنح التربة خصائصها الأساسية، من بينها عناصر، ومواد تنتج من العمليات الكيميائية التي تقوم بها البكتيريا، والفطريات، والجسيمات الحية الدقيقة الأخرى.
يُظهر الفحص الدقيق لنا أن التراب خليط مُعجز، مخلوق من عدد كبير من العناصر المختلفة، والمواد الكيميائية، والجسيمات الحية الدقيقة. عندما تجتمع العناصر، والكائنات، التي ليس لها تأثير بمفردها، يُنتجون مادة خاصة شديدة الأهمية لنا، وللتوازن البيئي. ولهذا نجد أن نسب المواد الموجودة في التراب قد خُلقت بإحكام دقيق لجعلها خصبة، ومُنتجة.
دعونا نتطلع إلى الأدوية التي نستخدمها عندما نمرض، جميع تلك الأدوية تم الحصول عليها عن طريق خلط مواد مختلفة بنسب متعددة، ثم ننتظر بعد ذلك الحصول على تأثير مفيد لجسم الإنسان. يعمل عدد كبير من المتخصصين لشهور من أجل إنتاج أكثر دواء يناسب صحة الإنسان في نهاية الأمر.
وبنفس الطريقة، التي تُستخدم فيها أعداد هائلة من المواد الكيميائية بناءً على أُسس المعرفة المتخصصة لصناعة الدواء، تُصنع التربة التي تُمثل مصدر الغذاء لجميع الكائنات الحية من عناصر، وجسيمات حية دقيقة تم تجميعها من خلال معرفة علمية خاصة. بالإضافة إلى هذا، رغم أن الدواء يُمكن إنتاجه بواسطة البشر، إلَّا أنَّ الحصول على مجرد حفنة من التراب المُنتج بتلك الطريقة أمر مستحيل.
تم تقدير الوقت اللازم لتكوين 1 سم من التربة ما بين 150 إلى 350 سنة، والتربة التي يُمكن استخدامها في الزراعة تستغرق 20 ألف سنة لكي تتكون في ظل أكثر الظروف المناسبة.
يُظهر كل هذا أن التربة لم تأت إلى الوجود بالصدفة، بل هي نتيجة عملية تخليق تمت بالقوة السامية لله وعلمه.
مجرد صب الماء على التربة قد يكون كافيًا للعديد من النباتات لكي تخرج منها. والطريقة التي تستمر فيها ملايين الأطنان من الخضراوات، والفواكه، والأشجار، والنباتات في الخروج من التربة كل عام، تُعطينا فكرة عن الطبيعة المُكثفة للعمليات الكيميائية التي تجري داخلها. مجرد التفكير في هذه الحقيقة الرائعة يكفي للشخص لكي يُقدِّر بشكل مناسب معرفة وقوة ورحمة الله. يقول الله في آية من آيات القرآن:
“أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ ۖ أَفَلَا يُبْصِرُونَ" (سورة السجدة، آية 27).