الماء النقي الذي نشربه يأتي من التربة

تعود كمية معينة من مياه الأمطار التي تهطل على الأرض مرة أخرى إلى البحار والمحيطات، ويُحتجز جزء آخر في التربة، وبسبب قدرة الامتصاص العالية للتربة، تبدأ مياه الأمطار المتساقطة في الهبوط للمستويات الأدنى من التربة.

وتتوقف المياه عن الهبوط عندما تصل إلى الطبقة غير المُنفذة، ويبدأ مستوى الماء في التراكم بسبب الأمطار المتتابعة. وفي نهاية المطاف، تبلغ العملية نقطة التشبع، وتبحث المياه عن طريقة لمغادرة الطبقة.

تنبثق المياه لأعلى من النقطة الأضعف في هيكل التربة، بواسطة ضغطها المرتفع، وتبلغ السطح في النهاية. يُعد هذا الارتفاع في الضغط السبب وراء اندفاع المياه من الآبار الجوفية الارتوازية بالطريقة التي تحدث. ويكشف لنا الله في آية من آيات القرآن كيف تدخل مياه الأمطار التربة، وترفع منسوب المياه الجوفية:
 

"أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ" (سورة الزمر، آية 21).

 

كيف يتأتى أنَّ الماء يمكنه أن ينبع من تربة موحلة؟ الطريقة التي تخرج بها المياه من التربة، التي تحتوي على كثير من المخلفات، والنفايات، تُمثِّل تجسيدًا واضحًا لرحمة الله بالبشر.

رتب الله جزيئات كالرمال، والطين، والحصى في التربة بشكل محكم، بحيث تكون بمثابة "المرشح" للمياه التي تدخل التربة، عن طريق إزالة الجزيئات، والشوائب منها. بمعنى آخر، تُنظف التربة المياه التي تدخلها بدلًا من إضافة الأوساخ إليها.

وبما أنَّ المياه تهبط في بعض الأحيان إلى أعماق سحيقة من التربة، ترتفع حرارتها، مما يعني أنها تُذيب العديد من المعادن عند مرورها من خلال الطبقات المختلفة للتربة، وتقوم بامتصاصها، وتكون النتيجة هي الينابيع الحارة.

تم إثبات أن العديد من الأمراض التي يستعصي علاجها بالأدوية، تتحسن باستخدام الينابيع الحارة، هذه الأمور تُعد بلا شك معجزات خلقها الله في التربة.

نقطة أخرى تحتاج إلى توضيح، هي كيفية انبثاق الماء على هيئة ينابيع. تسمح بنية التربة للمياه المُخزنة في جوف الأرض بالارتفاع إلى أعلى، وبذلك يتمتع الناس بسهولة الوصول للمياه التي تسقط من السماء وتغيب في أعماق التربة.

هذه نعمة عظيمة بكل تأكيد، فإيجاد المياه المتراكمة في أعماق الأرض ورفعها عدة أمتار مهمة عسيرة وشاقة. لكن باستخدام خواص خلقها الله للتربة والماء، ترتفع المياه إلى السطح لكي يستخدمها الناس.

لو لم تُخَزِّن الطبقات المختلفة في الأرض المياه، وبدلًا من ذلك، سمحت بمرورها إلى طبقات أكثر عمقًا، لاستمرت المياه في الهبوط باستمرار لأسفل، ولأصبح من المستحيل فيزيائيًا أنْ ترتفع مرة أخرى. لو كان الله خلق بنية التربة بهذا الشكل، لما استطاع أحد إلا الله رفع المياه مرة أخرى إلى السطح، وقد كشف الله لنا عن هذا في آية أخرى:

               “قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ" (سورة الملك، آية 30).