الضيافة

بالنسبة للمؤمنين الذين يتبعون أخلاق القرآن، فإنَّ احترام ضيوفهم يُعدُّ أحد وسائل طاعة إحدى أوامر الله، بالإضافة إلى كونه فرصة لإبداء حسن الخلق، ولهذا يُرحب المؤمنون بضيوفهم بود.

يَعتبر الناس بشكل عام أنَّ الضيف عبء على المستويين المادي، والروحي، في المجتمعات التي تتبنى القيم الأخلاقية التي تعود للجاهلية، لأنَّهم يعجزون عن رؤية أحداث كتلك على أنَّها فرصة لكسب رضا الله، وللكشف عن السمو الأخلاقي، وبدلًا من هذا، يعتبرون معاملة الضيوف بودٍ واجبًا اجتماعيًا.

يجذب القرآن الانتباه بشكل خاص إلى السمو الأخلاقي الواجب إظهاره نحو الضيوف، فقبل كل شيء يوفر المؤمنون الاحترام، والحب، والسلام، والود لكل ضيف لديهم. لا يُعدُّ الترحاب الذي يُظهر مجرد الرعاية دون إبداء أي حب، أو احترام، أو سلام، أمرًا مُحببًا. إذ تُشجِّعُ القيم القرآنية المؤمنين على التنافس في فعل الخير، يمكن أن يكون المثال على هذا السلوك مجرد تحية لضيف.

يحثنا القرآن أيضًا على جعل الضيف يشعر بالراحة بتحديد جميع حاجاته الممكنة لكي يُمكن تلبيتها قبل أن يذكرها الضيف، بنفس الطريقة التي عامل بها سيدنا إبراهيم ضيوفه والتي تُعدُّ مثالًا مناسبًا على هذا السلوك، ويعكس صفة مهمة في مسألة الضيافة.

 

"هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ" ( سورة الذاريات، آية 24 - 27).

 

إحدى النقاط الهامة في تلك الآيات التي تجذب اهتمامنا هي: هل من الأفضل عرض شيء للضيف قبل أن تسنح له الفرصة لطلبهِ؟ هذا لأن الضيف الدمث الخلق سيتردَّدُ في طلب أي شيء من احتياجاته. وسيُحاول ضيف كهذا منع المضيف من تقديم أي شيء بدافعٍ من اهتمامه، وعند سؤاله إذا ما كان يُريد أي شيء، فإن مثل هذا الضيف سيجيب بالنفي على الأرجح، وسيشكرُ المضيف على عرضه. ولهذا السبب، تُملي علينا الأخلاق القرآنية التفكير في الاحتياجات المحتملة للضيف مقدمًا.

وإحدى السلوكيات الأخرى المشار إليها هنا هي تقديم الشيء للضيف بدون تأخير، يكشف مثل هذا السلوك عن سعادة المضيف في توفير الراحة للضيفِ قبل أي شيء. وكما تُشير الآية، فإنَّ تقديم شيء ما للضيف "بسرعة" وبدون تأخير يكشف عن لهفته وتواضعه في خدمة ضيفه.

إحدى السلوكيات الجيدة الأخرى المُشار إليها في تلك الآيات هي أنَّه رغم عدم مقابلة سيدنا إبراهيم لضيوفه من قبل، إلَّا إنَّه يحاول خدمته بأفضل أسلوب ممكن، يُمكننا استنتاج أنَّه يجب أن يبذل الشخص أفضل ما عنده لإعداد وتقديم طعام لذيذ، وطازج، وعالي الجودة أثناء رعاية الضيف.