عام 1922، أنتجت عالمة الفيزياء الروسية، ألكسندرا فريدمان، حسابات توضِّح أنَّ هيكل الكون لم يكُن ساكنًا وأنَّ أية نبضة صغيرة قد تكون كافية لجعل الهيكل بأكمله يتمدد أو ينكمش وفقًا لنظرية النسبية التي وضعها أينشتاين. في الحقيقة، بالنظر إلى الحسابات التي أجراها ألبرت أينشتاين في مجال الفيزياء النظرية، فإنَّه قد خلُص إلى أنَّ الكون لا يمكن أن يكون ساكنًا، ولكنه نحَّى هذه النتائج جانبًا كي لا يعارض الفكرة السائدة آنذاك والقائلة بكونٍ ساكن لا نهائي، وسوف يشير إلى هذا العزوف لاحقًا بأنَّه «أكبر زلة في حياته».
في الحقيقة، كانت بعض الأدلة التي تشير إلى وجود كونٍ متمدد قد اكتُشِفت بالفعل قبل عام 1922، كان هناك اعتقادٌ آنذاك بأنَّ هناك مجرة واحدة في الكون، وهي درب التبانة. ولكن في عام 1912، لاحظ عالم الفلك الأمريكي، فيستو ميلفن سليفر، سديمًا، بمعنى آخر جزءًا من مجرة، واستخدم قياسات الطول الموجي للضوء المنبعث من هذا السديم. أوضحت إزاحات الطول الموجي أنَّ السديم يبتعد، ولكن بسبب مستوى العلم البدائي في ذلك الوقت، لم يتمكَّن أحد من تفسير هذه المعلومة الثمينة تفسيرًا سليمًا.
كان التقويم يشير إلى عام 1929 عندما حدث أمر مختلف، كان العمال يصمِّمون مرآة عملاقة باستخدام أتُّون (موقد) صناعي ـ أكبر أتُّون بُنِي على الإطلاق - كانت هذه المرآة الضخمة ستوضَع في منظار أكبر وأقوى من الطُرُز السابقة، وكان من المقرَّر استخدام المنظار في مرصد جبل ويلسون في كاليفورنيا، والذي سيشهد أحد أهم اكتشافات التاريخ على الإطلاق.
كان إدوين هابل - عالم الفلك البارز في ذلك الوقت - وراء هذا الاكتشاف العظيم، كان هابل قد اكتشف سابقًا مجرات خارج درب التبانة التي نحيا فيها، وهكذا فقد أحدث ثورةً في رؤية البشرية للكون.
اكتشف ذلك العام اكتشافًا عظيمًا آخر بمنظاره الجديد في مرصد جبل ويسلون. فقد لاحظ، عبر أشهر من الرصد، أنَّ الضوء القادم من المجرات الأخرى مُنزاح نحو الأحمر، كانت لهذا اللون الأحمر أهمية فيزيائية. وفقًا لقوانين الفيزياء، فإن طيف مصدر الضوء الذي يبتعد عن نقطة الرصد ينزاح تدريجيًّا نحو الأحمر، ومن ثم، أشارت هذه الملاحظة إلى حقيقة لم تكُن معروفة قبل ذلك الوقت وهي أنَّ: كل المجرات في الفضاء تبتعد عن مجرتنا. كان هذا الاكتشاف بمثابة صاعقة في العالَم العلمي، وسرعان ما أكَّد العلم واقعًا مهمًا للغاية.
كان هابل على وشك اكتشاف أمر آخر مهم: لم تكن المجرات تبتعد عنا فقط، بل تبتعد عن بعضها البعض أيضًا. كانت المسافة بين المجرات تزداد طوال الوقت. كانت هناك طريقة واحدة فقط لتفسير هذا: الكون يتمدد.
وهكذا، بوضع ملاحظات هابل وحساباته النظرية التي رأيناها للتو، وتمدد الكون الملحوظ، معًا، ماذا كان يعني كل هذا؟
كي نفهم كيف يتمدد الكون أفضل، علينا محاولة تصور الكون بأكمله وكأنَّه سطح بالون ننفخه. على هذا البالون، رسمنا عددًا من النقاط المتباعدة بمسافات متساوية. كلما كبُر البالون، تباعدت النقاط على البالون أكثر وأكثر عن بعضها البعض.
يوضِّح هذا أنَّنا كلما عدنا في الزمن أبعد، عدنا حتى البداية، سنرى أنَّ الكون لم يكُن شيئًا سوى نقطة واحدة. توضِّح الحسابات أنَّ هذه «النقطة الواحدة» كان «حجمها صفر» و«كثافتها لا متناهية». وفي العِلم، تعني النقطة التي حجمها صفر «العدم».
انتقل الكون إلى الوجود بـ «انفجار» هذه النقطة. يُطلِق العلماء على هذا الانفجار «الانفجار الكبير».
يوضِّح الانفجار الكبير أنَّ الكون صُنِع من حالة معدومة، بمعنى آخر، أنَّه خُلِق. سنرى فيما يلي كيف سُرِدت هذه الحقائق العلمية منذ زمن بعيد في القرآن.