بقلم: هارون يحيى
بغض النظر عن الأشخاص الذين تسألهم وأنت في أيّ مكان، وفي الشّارع، فإنهم سيقولون لك إنّ احتمالات بناء السلام بالمعنى العالمي تبدو بعيدة جدا. أينما نظرنا، نرى صراعات أو حروبا أهليّة أو توترات خطيرة .ومع ذلك يمكن أن يكون في الواقع من السهل جدّا إرساء السّلام والأمن .
من أجل إحلال السّلام ، فإن أول شيء يجب أن نفعله هو التعرف على الأسباب الحقيقية وراء الصّراعات والحروب في جميع أنحاء العالم.
سواء اعترفنا بذلك أم لا، فإن الشّرق الأوسط يتطلب اهتماما غير مسبوق؛ فالعمليّات الانتحارية في العراق وباكستان وأفغانستان وسوريا، أو عمليات القتل الطائفية التي لا تتوقف في هذه المنطقة أو الحرب الأهلية السّورية الدّامية, كل ذلك يذكّرنا باستمرار أن هناك أزمات سياسيّة وروحية تتعمّق يوما بعد يوم في جميع أنحاء المنطقة.
هذا الوضع لا يؤثر فقط في المنطقة بل يؤثر في جميع أرجاء العالم. إن أحد الأسباب الرئيسية للاضطرابات في الدّول الإسلامية على وجه الخصوص هو التطرّف، أو بعبارة أخرى التّعصب الأعمى.
ولا ينبغي الخلط بين التّعصب والإسلام الحقيقي. والملاحظ أن بعض الأشخاص الذين يأتون من خلفيات إسلامية أو يحملون الهوية الإسلامية ويحرضون على الحروب والقتل وسفك الدماء باسم الدين يضللون البعض من غير المسلمين في الخلط بين الإسلام الحقيقي والتعصب الأعمى. هذا التعصب لا علاقة له بالإسلام من قريب أو من بعيد.
المتعصبون يفرضون قيودا على حريات الناس من خلال الكثير من المحظورات التي لا علاقة لها بالقرآن الكريم على الإطلاق، فهم ينظرون إلى الضحك والاستماع إلى الموسيقى والأكل على المائدة واستخدام السكاكين والشوك على أنها من المكروهات ومن أفعال الخطائين، ويجيزون قتل الناس الذين لا يصلون وضرب أولئك الذين لا يعطون الصدقات وسجن الذين لا يصومون.
فهم يأمرون الناس بأن يتمسكوا بالأفكار المتعصبة حتى وإن كانت النتيجة الموت والهلاك, في حين أن القران الكريم بين لنا بوضوح أنه لا إكراه في الدين " لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ" (البقرة، 256).
الإسلام هو الدين الذي يضمن حرية الفكر و العبادة والتعبير، وجميع أنواع الحقوق، وفي المجتمع الإسلامي لا يتم الحفاظ على حقوق المسلمين أو طائفة إسلامية واحدة فحسب بل هناك حفاظ على حقوق الجميع، بمن فيهم المسيحيون واليهود والبوذيين والملحدون، والجميع يعيشون في عدالة ومحبة وسلام.
إن عقلية التعصب تكمن وراء الهجمات الانتحارية والتفجيرات التي نسمعها باستمرار بألم وأسى، هذه العقلية التي تعتبر أهل الكتاب أعداء، وفي الحقيقة فالقرآن الكريم لا يقبل وجود الكراهية تجاه أهل الكتاب والمسيحيين واليهود، وعلى العكس من ذلك، فالقرآن يؤكد على المحبة ويدعو إلى التآلف ويأمر بالإحسان لهم، فقد شرع الله تناول طعام أهل الكتاب وأذن للمسلم أن يتزوج منهم فقال تعالى " الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ (المائدة، 5).
ان حظر المحكمة الماليزية استخدام كلمة "الله" من قبل غير المسلمين هو شكل آخر من أشكال التعصب . ويستند القرار على التفكير الغير منطقي وغير مقبول لاهوتيا وهو ضد الإسلام تماما ويجب التحفظ عليه .
هناك فرق آخر مهم بين الإسلام الحقيقي و التعصب الأعمى و هو أن المتعصبين يعتبرون الفن والجمال في أي مجال من مجالات الحياة خطيئة، في حين أن القرآن الكريم أشاد كثيرا بالفن والجمال.
يأمر الإسلام المسلمين بحضور المجالس في أجمل الملابس وأبهى زينتهم. وتمثل الجنة ذروة الفن والجمال والروعة ,كما ينبغي أن يعمل المسلمون على نشر الفن والجمال في العالم الإسلامي وكذلك الحرص على ترسيخ مفهوم الجودة والإتقان في ككل شيء.
كثير من المتعصبين ينظرون إلى المرأة على اعتبار أنها نصف إنسان, وهذا مخالف تماما لتعاليم القرآن الكريم، فالرجال والنساء متساوون في جميع النواحي في القرآن الكريم. كما أن الرجال والنساء كانوا يشاركون في جميع مجالات الحياة في زمن نبينا عليه الصلاة والسلام. وكان الصّحابة رجالا ونساء لديهم مسؤوليات متساوية من حيث تعليم الذين يدخلون في الإسلام حديثا وإرساء السّلام الاجتماعي.
عندما يتبنّى الناس مفهوم الحب كما هو في القرآن الكريم سوف مشاكل ومعضلات كثيرة، وسوف يصبح ممكنا حل مشكلة النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وسوف يعيش أصحاب الديانات السماوية الثلاث في حب ووحدة وتضامن وسلام في القدس كما عاشوا في السابق.
ينبغي على غير المسلمين، وخاصة في الغرب دعم النّضال الفكري ضد التعصب. وينبغي على المسلمين دعم المنظمات الإسلامية المناهضة للتطرف. وعندما يعيش المسلمون على أسس القيم الأخلاقية القرآنية من خلال القضاء على التعصب, فسوف يحل السّلام وتحل الطمأنينة للبشرية جمعاء .